ثقافة

صدى رجالات أسفي في التاريخ – الحلقة 79

إعداد: الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي

المهندس عبد الله الفلكي :
    عندما نذكر اسم السي عبد الله الفلكي، يتجه فكرنا إلى ذلك العالم الرصين والمؤمن الصادق، والوطني المخلص، المرحوم والده محمد بن الطالب الفلكي، وما كان لهذا الرجل من صدى طيب لدى ساكنة مدينة أسفي ، لما كان يتمتع به من دماثة في الخلق وطيبوبة مغرقة في النبل والتواضع والكرم والعطاء .. هكذا عرفته وأنا طفل صغير أمر على دكانه بالمدينة العتيقة في الطريق إلى بيتنا الكائن بزنقة المنار الكبير (درب الصمعة )
كما عرفته بأناقته المعهودة يروي الحديث بالمسجد الأعظم قبل خطبة يوم الجمعة على عهد عالم أسفي وقاضيها وفقيهها الأبرك السي لحسن واعزيز رحمه الله .. عرفته أيضا رجلا عصاميا محبا للعلم ورجالاته، لبيبا في حديثه حين يطمئن إلى مخاطبه. ندد بالاستعمار الفرنسي، وتعرض لأجل ذلك للاعتقال في سبيل أن يعيش الوطن حرا كريما. فهو من الوجوه المثقفة التي ارتبطت بالحركة الوطنية منذ شبابها إلى جانب آخرين ارتبطت أسماؤهم بالنضال الوطني في مدينة أسفي، نذكر منهم السيد محمد البوعمراني والفقيه السي عبد السلام المستاري ومولاي محمد البوعناني والفقيه ادريس بناصر والفقيه محمد الهسكوري والفقيه محمد بلكاهية والسي احمد الوزاني رحمة الله عليهم جميعا وجزاهم بما أسدوا للمغرب بتفان وتضحية ونكران ذات.
في خضم هذه الأجواء المفعمة بعبق الوطنية الصادقة ، ولد السيد عبد الله الفلكي أكبر أبناء الفقيه يوم 23 دجنبر 1938 بأسفي حيث نشأ وتربى في بيئة تحث على العمل الوطني وعلى الجهاد الوطني، ثم إنه تربى كذلك بين أحضان أسرة معروفة بالعلم وبالجهاد وبالصلاح ، شاءت أن تربي أبناءها على الوطنية الحق .
التحق السي عبد الله بالمدرسة الابتدائية بأسفي حيث قضى بها سنتين، ليلتحق فيما بعد بمعهد محمد كسوس بالرباط .. تلكم المؤسسة العتيدة التي كانت منار التربية والتعليم والوطنية ، وهو معهد من المعاهد التي أسست على تقوى من الله، أسسه المرحوم الحاج أحمد بلافريج، فكان هذا المعهد يعطي الثمرة ويربي الأجيال . وتربية الأجيال بالنسبة لبداية الحركة الوطنية كانت هي الهم الأساسي.
بعد ذلك، عاد السي عبد الله الفلكي إلى مسقط رأسه أسفي ليستكمل دراسته في التعليم الثانوي، فانخرط في سلك كان الوطنيون قد أسسوه لاستكمال الدراسة بعد الحصول على الشهادة الابتدائية، وكان يطلق عليه ( القسم التكميلي). أما الجزء الأول من الباكالوريا، فقضاه في مراكش بكوليج محمد الخامس، كما قضى الجزء الثاني من الباكالوريا بثانوية مولاي يوسف بالرباط، تخصص رياضيات. وبعد نيله لشهادة الباكالوريا، سافر إلى باريس لمتابعة دراسته العليا بالمدرسة الوطنية للأرصاد الجوية ، حيث تخرج منها كمهندس سنة 1961. وبعد عودته من فرنسا، اشتغل السي عبد الله الفلكي بمحطة الأرصاد الجوية الوطنية بالدار البيضاء من 1961 إلى 1968 كمهندس ، حيث أبان عن قدرة عالية في التسيير والتدبير ، فكان له الفضل في تحقيق غير قليل من المنجزات المتمثلة في استحداث برامج تمكن من تدليل الصعاب وتساهم في إضفاء المزيد من المصداقية على خدمات الأرصاد الجوية، مما أكسبها منذ ذلك الوقت، سمعة جيدة. وللتذكير والإفادة ، فإن الأرصاد الجوية بالمغرب قد انطلقت منذ سنة 1896 على يد دبلوماسي ألماني بمدينة الصويرة، حيث قام بإنشاء مرصد لمراقبة الأحوال الجوية واستغله في الملاحة البحرية، في حين يرى البعض أن البداية الحقيقية للعمل الرسمي بإدارة عمليات الرصد الجوي بالمغرب، لم تسجل حتى سنة 1926، سواء في المناطق الشمالية أو الجنوبية الواقعة تحت نفوذ الاستعمار الإسباني والمشمولة بالحماية الفرنسية. وبتوحيد المناطق الشمالية والجنوبية سنة 1956 ازدادت الرغبة في إنشاء مصلحة الأرصاد الجوية إلى أن تم إنشاؤها في شكلها النهائي سنة 1964 وهو التاريخ الذي شغل فيه السيد الفلكي رئيس مصلحة الأرصاد الجوية ، لترقى هذه المصلحة فيما بعد إلى مستوى مديرية سنة 1993 بصفة مستقلة .وهذا يؤكد الجهود الكبيرة التي بذلها السيد الفلكي في سبيل تطوير وتنمية أنشطة الخدمات الرصدية. وخلال هذه الفترة، مثل السي عبد الله المغرب في عدة مناسبات أمام الهيئات الدولية التابعة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، كما كان له شرف تدريس أحوال التنبؤ بالطقس للمساعدين والوكلاء الفنيين بالمدرسة الوطنية للأرصاد الجوية بالدار البيضاء.
بعد هذه التجربة الناجحة، سيلتحق من شهر ماي 1968 إلى 31 دجنبر 1994 بمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط حيث شغل على التوالي المناصب التالية:
ـ رئيس مركز “بوجنيبة” التعليمي، وهو مركز يقوم بتدريس وكلاء المستقبل الحاصلين على شهادة الكفاءة المهنية في تخصصات مختلفة حسب احتياجات مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط.
ـ مدير مدرسة “خريبكة” للماجستير، وهي مدرسة تعمل على تكوين وكلاء المستقبل الحاصلين على دبلوم فني مغربيDTM
ـ رئيس قسم شؤون الموظفين بشعبة المناجم تحت الأرض في “خريبكة” وخلال هذه الفترة، شارك في الرباط مع شركة MC Kensy من خلال دراسات معمقة تتعلق بوضع اللبنات الأولى لمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط (الإدارة وشؤون الموظفين والإدارة الاجتماعية). كما شارك أيضا في تطوير النظام الأساسي الجديد، إلى جانب وضع دليل إدارة شؤون الموظفين، يتيح معرفة حياة أي وكيل للمجموعة منذ فترة تعيينه حتى حصوله على التقاعد، وذلك من خلال وضع مشروع ينظم تقاعد وكلاء مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط.
ـ رئيس قسم التنظيم بالرباط من أجل المراقبة والتحديث الدوري لعملية إعادة التنظيم التي تقوم بها شركة ما كينزي (اللامركزية مع الإدارات التشاركية حسب الأهداف، توضيح جميع الوظائف) وقد تم إلحاق هذه الخدمة بالأمين العام للمجموعة.
ـ رئيس شعبة إدارة شؤون الموظفين بالرباط والدار البيضاء عام 1975،
ـ  مسؤول عن مديرية شؤون الموظفين والشؤون الاجتماعية عام 1976
ـ مدير شؤون الموظفين والشؤون الاجتماعية بالدار البيضاء من 1977  إلى 1988
ـ رئيس قسم التنظيم بالرباط، أنشئ من اجل المراقبة والتحديث الدوري لعملية إعادة التنظيم التي تقوم بها شركة ماكينزي.
ـ مدير مسؤول عن مهمة مع المدير العام ما بين 1988 إلى 1991
ـ مدير تجاري لإفريقيا وأمريكا ..
ـ أمين عام المجموعة من مارس 1991 إلى 1994.
وابتداء من فاتح يناير 1995، أحيل السيد عبد الله الفلكي على التقاعد من مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، بعد مسار مهني حافل بالمسؤوليات الجسام، حقق من خلالها تميزا من باب غيرته على ما أنيط به من أمانة التسيير والتدبير، فكان يلتفت إلى مكامن الضعف، فيتولاها بالرعاية والعناية المطلوبة، كما كان يلتفت إلى نقط الضوء والقوة فيدعمها ويقويها. وتلكم هي الشيم النبيلة التي يتحلى بها رجالات أسفي عبر التاريخ ..أنفة وكبرياء وعزة نفس .. ففي كل مهمة تسند إليهم، يدللون على عظيم همتهم وقوة إرادتهم، فكانوا موفقين لحل كل الصعاب من خلال ما كان لهم من بعد نظر. والسي عبد الله الفلكي من هذه الطينة الطيبة من أبناء مدينة أسفي.
يتبع …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ستة عشر − 7 =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض