الطاهر بنشـــواف
يشهد قطاع الموارد البشرية تطوراً مستمراً في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه المؤسسات بمختلف أحجامها، وهو ما دفع الباحثين والمختصين إلى تسليط الضوء على أهمية التخطيط الاستراتيجي في هذا المجال. في هذا السياق، قدم محسن أرفون، الباحث المغربي، أطروحة دكتوراه تحت عنوان “دور التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية ودوره في تعزيز النموذج التنموي، المندوبية لإدارة السجون وإعادة الإدماج نموذجا”، والتي تناولت جوانب متعددة حول كيفية استغلال التخطيط الاستراتيجي كأداة لتعزيز الأداء وتحقيق الأهداف المرجوة.
تقوم الأطروحة على تحليل عميق لدور التخطيط الاستراتيجي في إدارة الموارد البشرية وتأثيره المباشر على كفاءة المؤسسات. من خلال دراسته الميدانية، أشار محسن أرفون إلى أن المؤسسات التي تعتمد على التخطيط الاستراتيجي في تنظيم وإدارة مواردها البشرية، تحقق معدلات أعلى في الإنتاجية والابتكار، ويبرز البحث كذلك أن هذا النوع من التخطيط يسهم في تقليل نسب الدوران الوظيفي، وتعزيز رضا الموظفين، مما ينعكس إيجاباً على أداء المؤسسة ككل.
وفقاً لأطروحة الدكتور محسن أرفون، يعتبر التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية وسيلة رئيسية تتيح للمؤسسات الاستجابة بسرعة للتغيرات المحيطة، سواء كانت اقتصادية أو تكنولوجية. ففي ظل المنافسة الشديدة والعولمة، يتطلب من المؤسسات ليس فقط التركيز على الأداء الحالي، ولكن أيضاً على كيفية ضمان استدامة النجاح على المدى البعيد، وأكد الباحث أن هذا لن يتحقق إلا بتوفير رؤية واضحة وشاملة لإدارة الموارد البشرية، بدءاً من التوظيف والتدريب، وصولاً إلى التطوير المهني وتحسين بيئة العمل.
تناولت الأطروحة كذلك، الفوارق بين التخطيط الاستراتيجي في القطاعين العام والخاص، حيث أوضح الدكتور محسن أرفون أن المؤسسات الخاصة غالباً ما تكون أكثر مرونة في تبني استراتيجيات متقدمة لإدارة الموارد البشرية. على الجانب الآخر، تواجه المؤسسات العامة تحديات مرتبطة بالبيروقراطية وضعف المرونة في تنفيذ الخطط الاستراتيجية، مما يعيق استغلال كامل إمكانات الموظفين. ومع ذلك، يمكن للتخطيط الاستراتيجي في القطاع العام أن يكون أداة قوية لتحسين الأداء، خاصة في مجالات مثل الصحة والتعليم والإدارة العامة.
يشير الدكتور محسن أرفون في أطروحته إلى أن المؤسسات التي تعتمد استراتيجيات مبتكرة لإدارة الموارد البشرية، تكون أكثر قدرة على الحفاظ على تنافسيتها في الأسواق المحلية والدولية. وذلك من خلال الاستثمار في تطوير المهارات، وتحفيز الموظفين على الإبداع والابتكار. يبرز البحث أيضاً أهمية التخطيط في تحسين إدارة المواهب داخل المؤسسة، حيث يساعد في استقطاب الكفاءات المناسبة والاحتفاظ بها.
خرجت الأطروحة بعدد من التوصيات التي يمكن أن تسهم في تحسين عملية التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية في المؤسسات. ومن أبرز هذه التوصيات:
1.ضرورة إشراك جميع المستويات الإدارية في عملية التخطيط لضمان تبني الاستراتيجيات بشكل فعال.
2.الاستثمار في التدريب والتطوير المستمر للموظفين لتعزيز قدراتهم على التكيف مع التغيرات المستمرة في السوق.
3.تبني تقنيات حديثة في إدارة الموارد البشرية مثل نظم إدارة الأداء الإلكتروني، لتسهيل عملية المتابعة والتقييم.
4.تعزيز الشفافية والاتصال الداخلي في المؤسسة لضمان فهم جميع الموظفين للأهداف والرؤية الاستراتيجية.
أكد الدكتور محسن أرفون في مداخلته أن نجاح التخطيط الاستراتيجي يعتمد بشكل كبير على مدى استعداد المؤسسات للتغيير واعتماد نهج شامل في التعامل مع الموارد البشرية، وأوضح أن التخطيط لا يجب أن يقتصر على الإدارة العليا فقط، بل يجب أن يكون عملية تشاركية تشمل جميع أفراد المؤسسة لضمان النجاح. كما دعا إلى تعزيز ثقافة التحسين المستمر والتعلم من التجارب السابقة لضمان أن تكون الخطط الاستراتيجية قابلة للتنفيذ وقادرة على تحقيق الأهداف المرجوة.
تأتي أطروحة الدكتور محسن أرفون كإضافة نوعية في مجال التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية، حيث تسلط الضوء على كيفية تحويل هذا التخطيط إلى عنصر أساسي لنجاح المؤسسات في مواجهة تحديات العصر. وأكد الباحث أن المؤسسات التي تستثمر في مواردها البشرية بشكل استراتيجي، تكون أكثر قدرة على تحقيق النمو والاستدامة، سواء على مستوى الأداء الداخلي أو التنافسية الخارجية.