
“بوحمرون” بين الطب والسياسية
الحكومة المغربية تدعو الجميع إلى المشاركة في إنجاح مواجهة الحصبة، ومحاربة الإشاعات.
عبد اللطيف أفلا
وسوس ارتفاع حالات الإصابة والوفاة بداء الحصبة منذ شتنبر 2023، كثيرا على أفكار العديد من المواطنين الذين لم يخفوا قلقهم من معاودة تجربة التلقيح الإجباري مرة أخرى، كما سبق خلال وباء كورونا، حيث ان ثمة من اتخذ إصابة تلك القلة القليلة جدا والمحدودة بآثار جانبية بعد تلقيها التلقيح، مقياسا بتعميم خاطئ، في ظل كثير من المغالطات والتخويفات التي تردهم تباعا على مواقع التواصل الاجتماعي، والأخطر أن ثمة من حرم طفله الرضيع حتى من التطعيمات العادية والضرورية ضمن البرنامج الوطني للتلقيح، كالتي تلقيناها جميعا كما في كل العالم، وكأنه أخذ موقفا من حملات التلقيح، ومن بينها تلقيح الحصبة الذي يتعدى 40 عاما من استخدامه في المغرب دون أدنى خطر أو أثر..
والواقع أن توجيه الاتهام لكل التدخلات الطبية خاصة بالتطعيمات وبشكل شمولي، يعكس خللا في التدبر لدى بعض المشوشين، استهانة بالمجهودات الجبارة والرائدة للمملكة المغربية لحماية وعلاج المواطنين، ضمن الاستراتيجيات الكبرى التي سطرها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، في طريق تعزيز السيادة الصحية ببلادنا.
تحقيقا في داء “بوحمرون” الذي غدى حديث المجالس الأسرية والسياسية والعلمية، وكذلك سيظل باقيا إلى حين، أمام أرقام ارتفاع حالات الإصابة والوفاة المهولة، أخذنا قراءة من الجانب العلمي الطبي، وتعليقا من الجانب السياسي.
وعن أسباب ارتفاع الحالات التي كانت تسجل ما يقرب من 10 حالات سنويا قبل بداية الجائحة، ووصلت اليوم إلى عشرات الآلاف منذ شهر شتنبر من سنة 2023 إلى حدود مطلع هذا العام الجديد 2025 بتسجيل 20 ألف حالة، بحسب ما أعلنت عنه مصالح وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، ناهيك عن وفاة 120 شخصا، أجاب الدكتور العلوي المحمدي يوسف خلال حوارنا معه صبيحة أمس الأربعاء 22 يناير 2025:
” على الجميع ان يعرف بأن هذا الداء الفيروسي معدي وينشر بسرعة، خاصة بين الأطفال، ويدخل عبر الانف أو الفم، والسبب الأول لهذا الارتفاع في الإصابة والوفاة، هو عدم اتخاذ التدابير الاحترازية شأنه شأن ما عشناه مع فيروس كورونا، في أماكن التجمعات، كالأسواق وعلى متن وسائل النقل العمومي.. لأنه بمجرد أن يسعل شخص مصاب ببوحمرون، فإنه يخلف بخاخا من الافرازات في الهواء، وإذا ما صادف شخصا قريبا غير محمي، وغير ملقح بالمضاد، وكما أسلفت الذكر الأشخاص المعرضين للإصابة، فإنه ينقل العدوى لنفسه، كما أن الشخص الأول إذا ترك افرازاته من جراء السعال او العطس على سطح ما، فإنه بمجرد ملامسة شخص آخر لتلك الأماكن والأشياء، ووضعه يده على فمه أو أنفه، فإنه يصاب بالعدوى.. شيء آخر يجب على المواطن معرفته، وهو أن فيروس الحصبة يبقى حيا وفعال لمدة ساعتين في الهواء.. “
وأضاف الدكتور العلوي بخصوص مخاطر وأعراض الحصبة التي علينا جميعا الحيطة منها وأخذ هولها على محمل الجد:
” من أبرز أعراض بوحمرون هي ارتفاع درجة الحرارة أولا، وبعدها سيلان الأنف والسعال واحمرار العينين، ثم بعد ذلك ظهور طفحات حمراء على الجلد بدءا من الوجه فالعنق وخلف الأذنين، وفي النهاية ينتشر ذاك الاحمرار عبر الأيدي والرجلين في شكل حبوب.. مضاعفات مرض الحصبة خطيرة جدا، لأنها قد تؤدي إلى الوفاة، وتسبب فقدان البصر والتهاب الرئتين.”
وأكد الطبيب العلوي بأنه لا وجود لعلاج خاص ببوحمرون، إلا باعتماد أدوية منع المضاعفات، كمخفضات الحرارة ومضادات الآلام، وفيتامين س، كما أرجع المتحدث السبب الرئيسي للإصابة، لعدم تلقي المريض جرعتي التطعيم في التوقيت الطبي المخصص لها في الشهر 6 و عند بلوغ 18 شهرا، أي خلال فترة الرضاعة، أو أن الشخص المريض مسن يفوق 65 سنة، أو امرأة حامل، أو أنه يعاني من مرض مزمن.
وحول تدابير الوقاية والعلاج، يقول العلوي يوسف:
” على الشخص المصاب ألا يغادر بيته وألا يخالط الناس على الأقل 4 أيام كي لا ينشر العدوى، وأن يخضع لفترة راحة حتى يشفى، هذا دون أن ننسى أخذ اللقاح المضاد للحصبة، فوزارة الصحة كتفت من حملاتها التحسيسية بهذا المرض، وفتحت العديد من المراكز الإضافية لتطعيم المعنيين، وبالنسبة لكافة المواطنين فإن عليهم الالتزام بالتباعد إلى حين عبورنا هذه الفترة، وأيضا عليه المداومة على النظافة بتعقيم وغسل اليدين مرة مرة..”
لمعرفة القراءة السياسية لتفشي هذا الداء، وتخوفات المواطن من معاودة مسلسل التقليح، والتدابير والتحركات العملية التي تقوم بها الحكومة على قدم وساق، تقدمنا بالسؤال التالي للسيد مصطفى بايتاس الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان، الناطق الرسمي باسم الحكومة،.
أكيد معالي الوزير أنه لا يخفى عليكم تخوف كثير من المواطنين من معاودة تجربة التلقيح، بسبب الآثار الجانبية لتطعيمات فيروس كورونا على بعض منهم والباقية إلى يومنا هذا.. فهل الحكومة وفي حالة استمرار ارتفاع الحالات، ستضطر إلى اعتماد إلزامية التلقيح.؟
أجاب السيد الوزير ” تفاعلت الحكومة عبر وزارة الصحة والحماية الاجتماعية بسرعة كبيرة مع عودة مرض الحصبة بأرقام متسارعة، حيث قامت بإرساء نظام اليقظة والتتبع على مستوى المركز الوطني للعمليات الطارئة للصحة العامة، وإحداث 12 مركز إقليمي للطوارئ الصحية، وإطلاق حملة وطنية استدراكية عاجلة للتلقيح ضد الحصبة وأمراض أخرى ابتداء من 28 أكتوبر 2024، والتي تقرر تمديدها، إطلاق حملة وطنية شاملة تستهدف الفئات المعنية بالتلقيح، آباء وأولياء التلاميذ، نساء ورجال التعليم، مهنيي الصحة والسلطات العمومية، كما قامت بالتنسيق مع وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة ووزارة الداخلية للتحقق من حالة تلقيح الأطفال أقل من 18 سنة، ثم التكفل بالحالات والتلقيح لدى المخالطين..”
قبل ذلك أشار الناطق الرسمي باسم الحكومة السيد بايتاس إلى أن ضعف الإقبال على التلقيح في السنوات الأخيرة، خاصة تلك التي أعقبت جائحة كورونا، تعد من الأسباب الكبرى التي ساهمت في انتشار الحصبة، وأرجع السبب الثاني إلى انتشار المعلومة المغلوطة.
” للأسف هذه المعلومات المغلوطة التي تخيف المواطنين من التلقيح، يجب علينا الانتباه لها بشكل كبير، على أساس أن هذه الأمراض، لا سبيل أنجع للحد منها إلا بالتلقيح، خاصة التلقيح المبكر في السنوات الأولى.. وما يروج على مواقع التواصل الاجتماعي من تخويف الناس وتخويف المواطنين، وفي بعض الأحيان تعميم بعض الحالات الضيقة جدا، لان الأثار الجانبية وأنا ليست طبيبا، لكنني أعرف أن الآثار الجانبية توجد في جميع الأدوية دون استثناء. وما حدث، حدث في حالات محدودة كي لا أقول نادرة، لذلك لا يجب أن نعمم، ويجب أن ننتبه لهذه الإشاعات المغلوطة التي يروجها البعض اليوم، وللأسف تجد بعض الآذان الصاغية لها.. وهذا ما أدى إلى تراكم عدد الأطفال غير الملقحين، وعدم احترام الجدول الوطني المعتمد من طرف المغرب في محاربة الأمراض المعدية..”
ولمواجهة هذا الداء بوعي كبير ووطنية كما صرح السيد بايتاس، تدعو الحكومة جميع المواطنين، وتحديدا الآباء والأولياء، والجمعيات ووسائل الإعلام ومختلف الشركاء والفاعلين في المجهود الوطني، إلى تكثيف الجهود والمشاركة الفعالة في حملة التطعيم ضد الحصبة.
وطالب الناطق الرسمي للحكومة كافة الفعاليات و القوى الحية ورجال الصحافة والإعلام، بالتصدي للأخبار الزائفة التي تشكك في جدوى وفعاليات اللقاحات.
وبالنظر لسير الحكومة المغربية على خطى جلالة الملك حفظه الله في بناء الدولة الاجتماعية، رغم ارتفاع النفقات وانعكاسها على الميزانية، وفوق كل ذلك انشغالها الكبير بالدفاع عن القضية الوطنية الأولى في جميع الاتجاهات، فإن المواطن له من المسؤولية النصيب الأكبر في مواكبة البناء والتنمية وخدمة مصالحه، والنظر بإدراك صحيح لتأهب قطاع الصحة في جل المراكز لمواجهة التفشي الجديد لهذا الداء، ومن ثمة عليه التراجع عن التأثر بالأخبار الكاذبة والمضللة التي توسوس له بالعزوف عن التلقيح وحرمان نفسه وأهله من النعم بصحة جيدة، في مأمن من عدوى الفيروسات مهما كانت، وله أن يسترجع نجاح عبور المملكة المغربية لجائحة كورونا، بفضل استراتيجية التلقيح التي كانت وقتها علامة مغربية فارقة، ونموذجا متميزا على الصعيد العالمي.