سياسة

المملكة المغربية ماضية في طريق التنزيل الأمثل لورش الجهوية المتقدمة

عبد اللطيف أفلا

 

يمكن الجزم يقينا بسلك المغرب طريق اللامركزية منذ سنة 1959، أي في عهد الملك الراحل محمد الخامس رحمه الله، بمقتضى ظهير 1959 الذي عُيّن بموجبه العمال والقواد والباشاوات، تطلعا لتقريب الإدارة من المواطنين قديما. وشكل العام 1960 بميثاقه الجماعي، زوادة شد الرِّحال صوب الجهوية المتقدمة. فمنذ الاختيار الأول لسياسة اللامركزية بتاريخ 23 يونيو 1960، والمملكة المغربية تخطو خطواتها الصحيحة برؤية واضحة في ذاك الطريق، حيث واصل الطريق خلفه العاهل المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه بتعزيز الديمقراطية المحلية بنص قانوني، على سبيل المثال الظهير المنظم للجماعات المحلية، وهو ظهير 30 شتنبر 1976، كما أنه دفع رحمه الله سنة 1984 بدواليب قاطرة الجهوية، دُفعة قوية بخطابه.

”… وأطمح كذلك في وضع هياكل جهوية تكون أساسا لذلك كله، لها من الإمكانيات تشريعيا وماليا ما يجعلها قادرة أن تقف على رجليها، وان تعرف حاجياتها وأن تقيم سلم أسبقياتها وأن تعبر بصوت جماعي، بقطع النظر عن اختلاف الأحزاب أو المشارب السياسية عن الحاجيات وعن المطامح، وأن تكون هي الناطقة وهي المبرمجة وهي المخططة وهي البانية والمطبقة على أراضيها، وأقصد أرض الإقليم وليس أرض الجهة، وفكرت أن أضع أمام أنظار البرلمان مشروع قانون خاص بمجالس الجهات المغربية التي تكون لها سلطتها التشريعية وسلطتها التنفيذية الخاصة بها وتكون لها هيئة الموظفين…”.
ومن ثمة أمسى هذا النظام مؤسسة دستورية بنص دستور 1992، ترسخت أكثر إلى أن صدر بخصوصها القانون رقم 47/96 الذي وضع الإطار القانوني لتدبير شؤونها، فغدت بذلك الجهة طريقا لطيّ اللامركزية.

بيد أن تفرد فاتح الأوراش التنموية الكبرى، جلالة الملك محمد السادس نصره الله بقراءته وتدبيره وتوجيهاته الحكيمة للسياسة العامة للمملكة، أضحت الجهوية المتقدمة في عهده بنية مؤسساتية، منحها حفظه الله وقودا للنهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية محليا ووطنيا، بدءا بإحداث المراكز الجهوية للاستثمار.

هذا التنظيم الإداري الهيكلي اللامركزي الموحد بين جهات المملكة اقتصاديا، والمقرب للإدارة من المواطن، تزيده الخطابات الملكية، ورسائله السامية بالمناظرات الوطنية السنوية التي تُنظم بخصوصه، حكامة وطاقة محركة لتسريع تنزيله، لذلك فإن التفصيل في هذا التنظيم الإداري، يُغنينا التطرق له، أحاديث جلالة الملك عنه، ولنا أن نستحضر مقتطفا من خطابه الملكي السامي بمناسبة عيد العرش لسنة 2012، تحديدا في 30 من شهر يوليوز.

“تشكل الجهوية المتقدمة التي أطلقناها، وكرسها الدستور الجديد، ورشا كبيرا يتعين تدبيره بكامل التأني والتبصر، ليكون تفعيلها كفيلا بإحداث تغيير جوهري وتدريجي٬ في تنظيم هياكل الدولة٬ وفي علاقات المركز بالجماعات الترابية. ولكسب رهانات هذا المسار٬ يتعين فسح المجال لتجديد النخب٬ والمشاركة الواسعة والمكثفة للنساء والشباب٬ وفتح الآفاق أمام المواطنات والمواطنين المؤهلين٬ المتحلين بروح المسؤولية والنزاهة.كما نهيب بالحكومة الشروع في إصلاح الإدارة العمومية٬ لتمكينها من مواكبة متطلبات هذه الرؤية الترابية الجديدة. وهوما يطرح مسألة اللاتمركز ٬ الذي ما فتئنا ندعو إليه منذ أزيد من عشر سنوات. ومن هذا المنطلق٬ فالحكومة مطالبة باعتماد ميثاق اللاتمركز٬ بما يمكن الإدارة من إعادة انتشار مرافقها، ومساعدتها على التجاوب الأمثل مع حاجيات المصالح اللامتمركزة٬ وجعلها تستشعر المسؤولية الحقيقية٬ في وضع المشاريع وحسن تسييرها. وذلك بموازاة مع الانكباب على الورش الكبير للإصلاحات اللازمة٬ لتفعيل التنظيم الترابي الجديد٬ في إطار حكامة جيدة٬ تضع التنمية البشرية في صلب اهتمامها. إذ لا سبيل الى رفع التحديات التي تواجه هذه الحكامة إلا بتحقيق تنمية بشرية عادلة ومنصفة، كفيلة بالتصدي للعجز الحاصل في المجال القروي٬ والخصاص الذي يعيق النمو في الوسط الحضري. “

وجاءت المناظرة الوطنية الثانية لهذا الورش الوطني الاستراتيجي التي نُظمت بمدينة طنجة، تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس تحت شعار “الجهوية المتقدمة بين تحديات اليوم والغد” والتي اختتمت أشغالها يوم السبت 21 دجنبر 2024، لوضع وتحديد كل نقاط التحرك والاشتغال والتطبيق الرئيسية، لتسريع تنزيل ميثاق اللاتمركز الإداري، في إطار ترسيخ الحكامة الترابية المندمجة، حيث شكل هذا الهدف، التوصية الأساس التي دعا إليها المشاركون.

وأوصى أيضا المشاركون في هذا الحدث الوطني المهم في توجه تعزيز التنمية الترابية، بتقوية قدرات الفاعلين الترابيين لرفع تحديات ورهانات التنمية الترابية المندمجة والمستدامة، مع استمرارية تفعيل آليات تشاركية للحوار والتشاور لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في هذا المخطط الهيكلي الكبير، وتعزيز دور الجهات في دعم الاستثمار المنتج ووضع آليات للتنسيق مع القطاع الخاص والمستثمرين وتفعيل تبسيط المساطر الإدارية المتعلقة بالاستثمار على المستوى الوطني والمحلي، وبخصوص تحديات تمويل البرامج الاستثمارية للجهات، تمت الدعوة إلى الرفع من الموارد المالية المحولة للجهات، مع مواكبة الجهات والجماعات الترابية الأخرى في الاستعمال الناجع لرافعة الاقتراض كآلية لتمويل برامج الاستثمارية.
وتفاعلا مع إشكالية الإجهاد المائي، جاء في توصيات المناظرة، تسريع وضع الاستراتيجيات الجهوية المتعلقة بالنجاعة المائية في مجال اقتصاد الماء مع إشراك الجهات في وضع وإنجاز وتتبع البرامج المتعلقة بقطاع الماء، هذا إضافة إلى العمل على تسريع إنجاز المشاريع المتعلقة بتدبير الإجهاد المائي مع توحيد الجهود بين الجهات والجماعات الترابية الأخرى لمواجهة هذا التحدي، وغيرها من النقاط التي تروم جميعا إلى تنزيل كل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية وكذلك السياسية لهذا الورش الاستراتيجي، بالتمام والكمال، معراجا بمكانة المملكة المغربية إقليميا ودوليا، وذلك على خطى جلالة الملك، وترجمة لتوجيهاته الملكية السامية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

واحد × خمسة =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض