
محو هوية وذاكرة الدار البيضاء بدأ منذ عقود “السونتر فيل خاصو يولي ديال التوريست و الطبقة الهاي.. ماشي ديال البوفريا..”
عبد اللطيف أفلا
“للي خاص المواطن البيضاوي يعرفو، هو أن مسلسل هدم المنازل ديال المدينة لقديمة، وعملية الترحيل القصري ديال الساكنة ديالها، والإبعاد ديالهم برا الدار البيضاء، مقصود، حيتاش السونتر فيل فلعالم كولو كايسكنو فيه غي الناس الهاي، ماشي البوفريا بحالنا.. مايمكنش يخليو البسطاء ديال المدينة لقديمة ساكنين في السونتر ديال كازا ضاير بهم المول وجامع الحسن الثاني والبحر والمعارض وكازا بور.. هادشي علاش حتى دار ما غادي تبقى فلمدينة.. “
هادا المقتطف من حديث أحد الأشخاص الساكنين بالمدينة القديمة للدار البيضاء، والذي أوحى لي بالجر في الكلام في هذا المخطط الممنهج، لأن المتحدث يكاد يقترب ربما من حقيقة الأمر.
المدينة القديمة اليوم يرثى له، وأهاليها ضاق بهم الحال بما لحق مساكنهم من عمليات الهدم الكلي بعد قرار الخبرة الهندسية التي تشهد بانها آيلة للسقوط.. ولكن كثير من علامات الاستفهام تحوط الموضوع:
لماذا تم ترك كل الزقق والمباني التي كانت في عهد الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله مع مشروع المحج الملكي، في لائحة الهدم منذ إكمال بناء مسجد الحسن الثاني؟
لماذا تم ترك منطقة بوسبير ودرب الطاليان، وباب جديد وباب مراكش والنزالة ودرب انجليز والبحيرة، ودرب التازي، وكارتي كوبا وجل الأماكن خارج السور المحيط بالمدينة العتيقة، رغم أن جل مساكنها سبق وتم تسجيلها ضمن المناطق التي ستهدم بالكامل، وجل ساكنتها على علم بذلك تسجيلا، بل حتى شراء المنازل بتلك المناطق توقف؟
لماذا تم ترك تلك المناطق، وتركز الاقتحام والهدم والترحيل داخل أسوار المدينة؟
لماذا تم طي ملف إعادة تأهيل المدينة بإصلاح مبانيها كما وضعه جلالة الملك محمد السادس نصره، ووقف على أشغال الترميم في العديد من زياراته المتتالية، منذ العام 2022، ثم تم تغيره إلى الهدم المكثف الذي شمل حتى بعض المباني السليمة، والرياضات ” المنازل ذات الطابق السفلي”، وكذلك تحويل الهدم الجزئي لعدد من المنازل إلى هدم كلي؟
والأغرب، لماذا تم قطع الماء عن سقايات الماء داخل المدينة القديمة، وتم إبقاء السقايات التي تتواجد خارج السور؟
شهور وأيام حالكة بسواد الظلم والإقصاء تحوم على قلب الساكنة، وشكايات بالمئات ترفع يوميا لدى السلطات المعنية، بلا جدوى، حتى تدخلت أحزاب المعارضة لاحتضان الملف، كحزب الاتحاد الاشتراكي، والحزب الاشتراكي الموحد، دفاعا عن المستضعفين من المتضررين من الهدم والترحيل الجبري، من خلال حشد العشرات من القوات والسلطة المحلية في عملية الإخلاء، والتي تتعدى فردا.
اتحد سكان المدينة القديمة بمساندة البرلمانية عن الحزب الاشتراكي الموحد، نبيلة منيب، وأسسوا تنسيقية الترحيل القصري للساكنة.. فعسى ان يثمر ذلك في تعطيل دواليب مدحلة الهدم والتهجير.
طمس هوية نواة العاصمة الاقتصادية لم يبدأ اليوم، بل شرع منذ محو ذاكرتها الثقافية والفنية وتحفتها المعمارية الراقية، المسرح البلدي سنة 1982، وهدم المدارس العمومية، وعلى رأسها المعلمة الكبرى مدرسة مولاي يوسف الشهيرة بمدرسة القبة، ثم إزالة نافورة ساحة محمد الخامس عام 2017، وتم بناء شبح يدعى مسرح، بعيد كل البعد عن الهندسة المعمارية للمباني المحيطة به. وها نحن اليوم نعيش حلقات جديدة من طمس ذاكرة هاته المدينة، بعملية تهجير الحمام الزاجل للساحة، بدأ بمنع إطعامه تحت قرار جائر ظالم..
يا أيها المواطن البيضاوي، يا وليد المدينة القديمة، النواة الأصلية التي تعود لأزيد من 10 قرون، لا تتفاجئ بما يحمله القادم من الأيام، فماضيك في مهدك لا محال زائل بمخطط ممنهج أشد خطرا من الشيطان.