
الكتب المدرسية الحصرية في المدارس الخاصة: عبء جديد على الأسر
بعد يومين من الدخول المدرسي صارت مسألة بيع الكتب المدرسية في المدارس الخاصة بالمغرب بأسعار مرتفعة وحصرية مشكلة متفاقمة تثير استياء الأسر المغربية، هذا الأمر لا يقتصر على ارتفاع التكاليف المالية فحسب، بل يمس بجوهر الحق في التعليم ومبدئ تكافؤ الفرص ويساهم في تعميق الهوة بين الفئات الاجتماعية.
مع هاته العودة إلى مقاعد الدراسة في مؤسسات التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي بالمغرب، يواصل الكتبيون تكثيف جهودهم للفت الانتباه إلى استمرار بعض المدارس الخاصة في ممارسة بيع المقررات الدراسية بأسعار مرتفعة وبشكل حصري، وهو ما يثير مجددًا خلافًا قديمًا بين الطرفين، فقد دعت رابطة الكتبيين بالمغرب وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، شكيب بنموسى، في يوليوز الماضي، إلى التدخل العاجل لوضع حد لما وصفته بـ “الممارسة غير القانونية” التي تهدد بإفلاس المهنيين، كما قامت الرابطة مؤخرًا بطرق أبواب عدة ذات صلة بالموضوع للضغط من أجل “رفع الضرر” الناجم عن هذه الممارسات التي تؤثر سلبًا على الكتبيين.
في رسالتها الأخيرة إلى عامل مدينة سلا، طالبت الرابطة بتنظيم وضبط هذا “النشاط غير القانوني”، مرفقة الوثائق التي تكشف عن بيع الكتب داخل المؤسسات التعليمية الخاصة، معبرة عن استنكارها لخرق هذه المؤسسات للقانون. من جانبهم، يعترف ممثلو المدارس الخاصة بحق الكتبيين في الاحتجاج، إلا أنهم يشيرون إلى أن بيع الكتب المستوردة التكميلية هو ممارسة نادرة ناتجة عن نقص في توفر الكتب في المكتبات، وأن الهدف من البيع هو ضمان مصلحة الطلاب وليس تحقيق الأرباح.
اتحاد الكتبيين، أوضح في محطات متعددة أن الظاهرة قد تفاقمت هذا العام، حيث تتجه بعض المدارس الخاصة إلى بيع الكتب المدرسية مباشرة من خلال إدراجها في لوائح اللوازم الدراسية المقدمة للأهالي، وهو ما يعد خرقًا للعقد النموذجي الذي يهدف إلى منع بيع الكتب من قبل المدارس، وتابع الإتحاد أن المدارس الخاصة تتعمد تأخير إعلان الكتب المقررة حتى يونيو، مما يعوق قدرة الكتبيين على تلبية الطلب في الوقت المناسب، ويؤدي إلى تواطؤ مع المستوردين لضمان حصول المدارس على الكتب مباشرة.
من جهة أخرى، رئيس فيدرالية التعليم الخاص في تصريح للصحافة الوطنية، أكد أن نسبة المدارس التي تبيع الكتب تبقى قليلة مقارنة بعدد المؤسسات الخاصة في المغرب، وأضاف أن نقص الكتب المستوردة يجعل بعض المدارس مضطرة لبيعها مباشرة لضمان توفير المواد التعليمية في الوقت المناسب، دون هدف ربحي، بل لضمان سير العملية التعليمية بسلاسة.
كما أكد نفس المصدر أن العقد النموذجي المرتقب لن يمنع المؤسسات من بيع الكتب المستوردة التكميلية، بل يترك خيار الشراء للأسر، مع التأكيد على أن الهدف الرئيسي من استيراد الكتب هو خدمة مصلحة التلميذ، وليس تحقيق الأرباح.
تشير الدراسات الميدانية إلى أن أسعار الكتب المدرسية في المدارس الخاصة تفوق بنسبة تصل إلى 50% أو أكثر نظيرتها المتوفرة في المكتبات العامة، في بعض الحالات تصل الفوارق في الأثمنة إلى مستويات أعلى بكثير، مما يضع عبئًا إضافيًا على ميزانيات الأسر، خاصة وأن العديد منها لديها أكثر من طفل يدرس في مؤسسات خاصة، فاتورة الكتب والأدوات في هاته الحالات قد تصل إلى آلاف الدراهم سنويًا لكل طالب، مما يجعلها عبئًا مالياً لا يستهان به يضاف إلى تكاليف المعيشة التي أصبحت أكثر غلاء.
تفرض العديد من المدارس الخاصة شراء الكتب من داخل المؤسسة التعليمية، مما يحد من خيارات الأسر ويجعلها مضطرة لشراء الكتب بأسعار مرتفعة، إذ تشير تقارير أنجزت في الموضوع إلى أن حوالي 70% من المدارس الخاصة تتبع هذه السياسة، مما يخلق نوعًا من الاحتكار ويؤثر سلبًا على المنافسة في سوق الكتب المدرسية تتأثر منه المكتبات كذلك، هذا الاحتكار يجعل الأسر تحت ضغط مالي إضافي، إذ لا يمكنها البحث عن بدائل أقل تكلفة.
تستفيد المدارس الخاصة من بيع الكتب المدرسية بشكل كبير، حيث تحقق أرباحًا طائلة من هذه العملية. يقدر بعض الخبراء أن المدارس تحقق هامش ربح قد يصل إلى 30% على كل كتاب يباع داخل المؤسسة. هذه الأرباح يمكن أن تستخدم لتمويل مشاريع أخرى داخل المؤسسة، ولكنها تثير تساؤلات حول مدى أخلاقية هذه الممارسة، خاصة في ظل غياب الشفافية والرقابة مع العلم أن بعض هاته المؤسسات الخاصة تشترط الدفع نقدا مما يثير تساؤلات أكثر عن الغاية من مثل هاته الممارسات.
الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة:
يؤدي غياب الرقابة الصارمة من قبل وزارة التربية الوطنية إلى تمكين المدارس الخاصة من الاستمرار في ممارسات بيع الكتب بشكل حصري ودون رقابة فعالة، ورغم وجود قوانين تحظر هذه الممارسات الاحتكارية إلا أن التنفيذ غير الفعال لهذه التشريعات يتيح للمدارس الخاصة المجال لتجاوزها دون مساءلة.
تلجأ العديد من المدارس الخاصة إلى تبرير هذه الممارسات عبر كونها مصدر إضافي للتمويل، حيث لا تغطي الرسوم الدراسية في كثير من الأحيان جميع التكاليف التشغيلية، هذه الحاجة للتمويل الإضافي تدفع بعض المؤسسات التعليمية إلى الاعتماد على بيع الكتب المدرسية بشكل رئيسي لدعم ميزانياتها حسب قولها.
من ناحية أخرى، يفتقر السوق المغربي إلى منصات رقمية موثوقة توفر الكتب المدرسية بأسعار معقولة، مما يضع الأسر أمام خيارات محدودة ويجعلها تحت رحمة الأسعار المرتفعة التي تفرضها المدارس الخاصة، بالإضافة إلى ذلك، يواجه الكتبيون المحليون تحديات كبيرة في تلبية الطلب على الكتب المستوردة، مما يساهم في تعزيز احتكار المدارس الخاصة لهذا السوق ويزيد من الأعباء المالية على الأسر.
آثار هذه الممارسة:
تعميق الفوارق الاجتماعية:
يساهم ارتفاع أسعار الكتب المدرسية في تعميق الفوارق الاجتماعية بين الأسر، إذ لا تتمكن جميع الأسر من تحمل هذه التكاليف الإضافية، هذا الأمر يفاقم التفاوت في الوصول إلى التعليم الجيد بين مختلف الفئات الاجتماعية، مما ينعكس سلباً على فرص الطلاب في تحقيق مستقبل أفضل، قد تضطر معه بعض الأسر إلى محاولة التخلي عن شراء الكتب المدرسية اللازمة لأبنائها بسبب تكاليفها المرتفعة، مما يؤثر بشكل مباشر على تحصيلهم الدراسي. فالطلاب الذين لا يملكون الكتب يجدون صعوبة في متابعة الدروس والمشاركة الفعالة في الأنشطة التعليمية، مما يضعف من جودة تعليمهم ولكن هذا الخيار مستبعد لكون هاته المؤسسات تلزم التلاميذ على اقتناء الكتب تحت طائلة الاستبعاد من الدراسة.
تراجع دور الأسرة الرقابي:
يؤدي هذا الوضع إلى تراجع الدور الرقابي للأسرة على المسار التعليمي لأبنائها، حيث تصبح المدرسة هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن توفير كافة الأدوات التعليمية، هذا الاحتكار يقلل من قدرة الأسر على اتخاذ قرارات تعليمية مستقلة ومستنيرة، ويضعف تفاعلها في توجيه ودعم أبنائها في مسيرتهم الدراسية.
تعزيز الرقابة والتفتيش:
يجب على وزارة التربية الوطنية تفعيل دورها الرقابي من خلال إنشاء فرق تفتيش دورية تقوم بزيارات مفاجئة للمدارس الخاصة للتأكد من التزامها بالقوانين والأنظمة المعمول بها من خلال تقديم تقارير تفصيلية عن أي مخالفات، مع تحديد المسؤوليات وتوجيه الإنذارات اللازمة مع الضرب بيد من حديد كل من ثبتت في حقه مثل هاته الممارسات المخالفة من خلال تطبيق عقوبات رادعة، مثل الغرامات المالية أو سحب التراخيص.
تحفيز المنافسة وتنويع القنوات:
ينبغي دعم الناشرين المحليين من خلال تقديم حوافز مالية وتشريعية، بهدف تشجيعهم على إنتاج كتب مدرسية بجودة عالية وبأسعار معقولة، مما يساهم في تقليل تكاليف التعليم على الأسر، مع ضرورة تطوير منصات رقمية موثوقة لتسويق الكتب المدرسية بأسعار تنافسية، مع مراعاة حماية حقوق الملكية الفكرية للناشرين المحليين، ولتعزيز هذه الجهود، يمكن للوزارة التعاون مع القطاع الخاص لإنشاء متاجر مخصصة للكتب المدرسية تقدم الأسعار المخفضة، مما يسهم في توفير خيارات أوسع وأفضل للأسر المغربية.
توعية المجتمع:
في ظل صمت الجهات المسؤولة عن القطاع، يجب تنظيم حملات إعلامية مكثفة وشاملة لتوعية الأسر المغربية بحقوقها وواجباتها فيما يتعلق بتعليم أبنائها، وتثقيفها حول أهمية شراء الكتب المدرسية ودورها الحيوي في تحسين التحصيل الدراسي، هذه الحملات يمكن أن تسلط الضوء على تأثير عدم اقتناء الكتب المدرسية على أداء الطلاب، مما يعزز من وعي الأسر بضرورة الاستثمار في التعليم، بالإضافة إلى ذلك، ينبغي تنظيم منتديات تربوية دورية تجمع بين الخبراء التربويين ومسؤولي الوزارة، بهدف مناقشة هذه القضايا والاستماع إلى آراء ومخاوف الأسر، مما يساهم في إيجاد حلول مشتركة ومستدامة.
ولتعزيز هذه الجهود، من الضروري إقامة شراكة فعالة مع وسائل الإعلام المختلفة، بما في ذلك التلفزيون، الراديو، الصحافة، ووسائل التواصل الاجتماعي، لنشر التوعية بشكل أوسع والوصول إلى أكبر عدد ممكن من الأسر، هذه الشراكة يمكن أن تساهم في توجيه رسائل واضحة ومؤثرة، تحث الأسر على اتخاذ قرارات تعليمية مدروسة تصب في مصلحة أبنائها وتساعد في تقليص الفجوة التعليمية وتشكيل قوة ضاغطة ضد جشع المؤسسات الخاصة.
تعديل التشريعات:
لمواجهة التحديات المرتبطة بارتفاع أسعار الكتب المدرسية في المدارس الخاصة، من الضروري مراجعة القوانين والأنظمة المنظمة للتعليم الخاص، وتشديد العقوبات على المخالفات المتعلقة ببيع الكتب بأسعار مبالغ فيها أو بشكل حصري داخل هذه المؤسسات، هذه المراجعة القانونية يجب أن تهدف إلى تعزيز الرقابة وضمان التزام المدارس الخاصة بالقوانين التي تحمي حقوق الأسر وتمنع الممارسات الاحتكارية.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن وضع حد أقصى لأسعار الكتب المدرسية بما يتناسب مع جودتها وتكاليف إنتاجها، لضمان توفيرها بأسعار معقولة إذ يعتبر تسقيف أسعار الكتب حلا من الحلول التي ستساهم في حماية الأسر من الأعباء المالية الزائدة، وتساهم في تحقيق عدالة تسعيرية، مما يعزز من إمكانية وصول جميع الطلاب إلى الكتب المدرسية الضرورية لتحقيق تحصيل دراسي متميز.
بالإضافة إلى المقترحات السابقة، يجب على الحكومة والمؤسسات المعنية العمل بشكل جاد على عدة محاور لتخفيف العبء المالي على الأسر وتحسين جودة التعليم، وذلك عبر ضرورة تطوير المناهج الدراسية من خلال مراجعتها بشكل دوري وتبسيط محتواها بقدر الإمكان، مما يقلل عدد الكتب المدرسية المطلوبة ويجعلها أكثر توافقًا مع احتياجات الطلاب، كما ينبغي تشجيع القراءة الرقمية عبر توفير المحتوى التعليمي الرقمي بأسعار معقولة، وذلك من خلال الاستثمار في البنية التحتية الرقمية وتعزيز وصول الطلاب إلى التكنولوجيا الحديثة، مما يتيح خيارات تعليمية أكثر مرونة وتوفيرًا للتكاليف.
إضافة إلى ذلك، يجب تعزيز التعاون بين المدارس والآباء من خلال تنظيم اجتماعات دورية تتيح مناقشة التحديات التي يواجهها الطلاب وأسرهم، مما يعزز الشفافية ويبني جسور الثقة بين جميع الأطراف المعنية بالتعليم، لتحقيق هذه الأهداف، يتطلب الأمر تضافر جهود الحكومة ومؤسسات القطاع الخاص المعنية بالأمر والأسر على حد سواء، لضمان توفير تعليم ذو جودة عالية وبأسعار معقولة لجميع الأطفال، بما يساهم في بناء مستقبل أكثر إشراقًا وعدالة.
يشكل بيع الكتب المدرسية بأسعار مرتفعة وبشكل حصري في المدارس الخاصة بالمغرب معضلة اجتماعية تتطلب استجابة فورية وحلولاً إبداعية لمعالجة هذه القضية، من الضروري أن تتكاتف الجهود بين كافة الأطراف المعنية، بدءًا من الحكومة مرورًا بالمؤسسات التعليمية الخاصة وانتهاءً بالأسر، إذ يجب العمل على تطوير سياسات متكاملة تضمن الوصول العادل للكتب المدرسية بأسعار معقولة، وتفعيل آليات رقابية صارمة تردع الممارسات الاحتكارية التي تمارس في القطاع الخاص.
توفير تعليم جيد ومتوازن لجميع الأطفال هو حق أساسي يتطلب التزام الجميع بالشفافية والمسؤولية في إدارة هذه القضية فقط من خلال التعاون الفعّال وتضافر الجهود المشتركة يمكن تجاوز هذه العقبات، وبناء نظام تعليمي عادل وفعال يخدم مصلحة كافة الطلاب دون تمييز، مما يعزز من فرصهم في تحقيق النجاح الأكاديمي والمستقبلي.
الطاهر بنشواف