سلايدرما وراء الخبر

كرة القدم واستئناف التباري….دروس وعبر

محمد التويجر

بعد طول انتظار، حسم الأمر الذي كان فيه عشاق كرة القدم المغربية مستفتين. فبعد أن كتب وزير القطاع الشاب عثمان الفردوس حين حلوله ضيفا على لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب الخطوط الأولى لخبر استئناف بطولة كرة القدم بمختلف أصنافها، تكفل فوزي لقجع مهندس الصفقة ومخططها بشرف الكشف لباقي أفراد المنظومة والرأي العام الرياضي المغربي عن خباياها وتفاصيلها والمحطات التي ستوصل إلى نقطة النهاية بها، المحددة لأبطال مختلف التظاهرات الممارسة تحت إشراف هيئته.
لنتفق بداية بأن استئناف مختلف المسابقات على رقعة التباري بدل حسمها في دهاليز المكاتب شيء محبذ ومرحب به، رغم تباين المواقف والحسابات، شريطة أن تؤخذ كل الجوانب والشخوص المؤثرة في عين الاعتبار، بخاصة اللاعبين الذين يبدو أنهم لم يعتد برأيهم في اتخاذ القرار ومحدودية مدة التحضير القبلي، حتى يتمكنوا من استرجاع طراوتهم، وهم المعطلون قسرا لمدة 104 أيام، جراء تفشي وباء كورونا.
قبل التفصيل في هوية الرابحين والخاسرين جراء قرار استئناف التباري ومعاكسة توجه ماما فرنسا، ملهمتنا في غالبية القرارات (من حسنات كورونا أننا شرعنا في اتخاذ قراراتنا باستقلالية أبانت الأيام عن نجاعتها)، لا بد من التوقف عند هذا الشاب البركاني الذي شغل عالم كرة القدم المغربية منذ تسخيناته الأولى سنة 2014 لخلافة علي الفاسي الفهري على رأس الجامعة. فالرجل ممتلك لكاريزما ترتكز على عنصري التحدي ورفض الخسارة مهما كلفه ذلك من ثمن. وحتى منصبه مديرا للميزانية بوزارة المالية، زاده قوة وإصرارا. وهذا ما يفسر تواري رؤساء باقي الجامعات الرياضية إلى الخلف، تاركين له منصة البروز يزهو فوقها كما يشاء. وإلا لماذا اقتصر اهتمام الإعلام بمختلف تلاوينه، والجمهور الرياضي المغربي بكل مشاربه على موعد استئناف بطولة كرة القدم دون سواها؟.
عينا فوزي لقجع المحصنتين خلف نظاراتيه الطبيتين، تعكسان نوعا من الإصرار الخفي (الملتبس أيضا) على مجابهة مختلف أصناف التحديات. كما أن عضويته في لجنة اليقظة التي أنشئت مباشرة بعد ظهور أول حالة إصابة بالوباء ببلادنا، جعلت منه عنصرا مؤثرا في القرارات المتخذة، قريبا من “رأس العين”.
طبيعي ألا تخلو أية أسرة من تطاحنات تستعمل فيها أحيانا أسلحة كاتمة للصوت، وعادي أيضا أن يوجد من بين أعضاء المكتب المديري من “يبكي مع الراعي، ويضحك مع الذئب”. فمن ضمن هؤلاء من كان يمني النفس بتوقف البطولة، والاكتفاء بما أجري من دورات ( إسوة بتلاميذ باكلوريا هذه السنة الذين سيختبرون فقط في الدروس الملقنة بالأقسام حتى منتصف مارس)، سعيا إلى لقب سهل أو تمثيلية خارج الحدود، وفقا لترتيبه أو تفاديا النزول، ما دام أنه من غير معقول أن تغامر الجامعة بفرض المغادرة في بطولة ناقصة البنيان.
بعضهم راهن على مبالغة لقجع في مطالبه المليارية مقابل استئناف البطولة كي يرفض المشروع… لكن فوزي، الذي يبدو أن اسمه ملهمه لانتزاع ثمار الفوز، حتى في أحلك الظروف، عدل خطته، وهو العارف بأن المملكة عانت كثيرا من حيث الكلفة الاقتصادية المترتبة عن الوباء ( مليار درهم يوميا) ، يستحيل معها رمي مليارات إضافية من النافذة، لغاية استكمال فصول “اللعبة”.
فاز فوزي وخسر الكومبارس وما أكثر شخوصه وهيئاته، ننقدمهم العصبة الوطنية الاحترافية لكرة القدم التي استكانت في الركن القصي من المشهد، منتظرة التعليمات لتنفيذها بدون زيادة ولا نقصان…كيان ضعيف، يعرقل سيرورة التغيير والتطوير من الداخل بدل تسريعه (البرمجة نموذجا). لكن، وللأمانة، حتى رئيس الجامعة يتحمل نصيبا من المسؤولية، لأنه يبقى في نهاية المطاف قائد السفينة وعراب اللعبة في شموليتها، ونجاحه من عدمه مرتبط أيما ارتباط بطبيعة السابحين في فلكه، وأعتقد أن الفرصة مواتية أمامه للتدارك، لو قدر له الفوز بولاية ثالثة، رغم أن قانون 30 – 09 يحصر عدد ولايات الرئاسة في اثنتين، (اللهم إلا إذا استخدم جوكير منصبه نائبا لرئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم) ، وأيضا أمام من سيأتي بعده، عبر دخول حلبة التنافس الانتخابي محاطا بأسماء مؤثرة، “حافظة سواراها”، مرتبطة بالمجال، غير دخيلة عنه..شعارها العمل الموصول والتفاني المأمول، بدل البحث عن الرضى الفوقي والاستمتاع بالسفريات والتباهي بلقطات عدسات الكاميرات.
إن استئناف مختلف البطولات في مقدمتها الاحترافية بقسميها، وإن كانت مفتقدة لدفء المدرجات وأهازيج الجماهير قرار صائب في مجمله، لأنه يبعث رسائل تحيل على استقرار الوضع بالمغرب، ووجود الحالة الوبائية به تحت السيطرة. ومثل هذه الرسائل جد مؤثرة في تحديد وجهة السياح الأجانب ( تأخر قرار استئناف البطولة استفادت منه مؤقتا تونس الجارة التي كانت حسمت أمر الرجوع إلى ميدان التباري قبلنا).
من هذا المنطلق ، ولإنجاح مشروع استئناف التباري، على الجميع – مكتبا مديريا جامعيا وعصبا جهوية وأندية وحكاما وإعلاما أيضا – التقيد الحرفي بالبروتوكول الصحي المعتمد. والالتزام الكلي بالبرمجة التي أكد لقجع أنه ضامنها الأول والأخير، حتى لا نسقط مجددا في شراك الأخطاء الفاضحة ، من أكبر مخلفاتها عدم امتلاك الجرأة الكافية لحسم ملف مباراة الجديدة العالقة بين الدفاع الحسني وضيفه الرجاء الرياضي (العصبة الاحترافي كالعادة في دار غفلون).
أعرف أن هناك لجانا تنكب على دراسة كل حيثيات الملف وملابساته، لكن التلكؤ والخوف من ردة فعل هذا وذاك، حول الملف إلى جمرة يتفادى كل واحد من المقررين إبقاءها بين يديه خوفا من ألم الحريق.
أسدل الستار على مسلسل ” الانتظار”، وأمام الجميع أسابيع محدودة لإعداد العدة، قصد إكمال المشهد الناقص، والكشف عن “عايل الرواية”، على رأي إخواننا القاطنين بطنجة العالية، الممتلكين لفرصة تدارك الأخطاء المتراكمة وتفادي المغادرة القسرية، وهم الذين رفعوا قبل موسم واحد ذات درع البطولة الذي تتسع دائرة المتنافسين عليه حاليا لتشمل حسابيا نصف مكونات البطولة.
نجح لقجع وخسر عشاق الكولسة، لكن النجاح الحقيقي الذي يعتد به، هو ذاك الذي تشعر عبره أية رئاسة بأنها محاطة بخبراء مسكونين بخدمة المنظومة في شموليتها، بدل التشيع لهذه الجهة أو تلك، وهذا الحزب أو ذاك. ولن يتبلور التغيير المنشود على أرض الواقع، إلا بالمراهنة على الكفاءات الحقيقية التي نادى بها عاهل المملكة غير ما مرة، واعتماد تعددية التنافس، بدل تقدم أسماء غير مؤثرة وتغليب منطق المرشح الوحيد.
كورونا كشفت المستور، والورش المقبل الذي على جامعة كرة القدم الاشتغال عليه وإنجاحه كما نجت في إهداء أسرتها مركب محمد السادس الذي تحدث بعجائبه ومرافقه الركبان، إحداث ثورة هادئة تجثث معها الأشجار والحشائش الميتة من جذورها، واستبدالها بأخرى قادرة على مقاومة الطفيليات والتقلبات، والإصرار على ركوب “براق” التغيير الحقيقي بدل الإخلاص لقطار “الويسترن”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

سبعة عشر + إحدى عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض