
MCG 24
ألقى رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، محمد بشير الراشدي، الضوء على استمرار التحديات الكبيرة التي تواجه المغرب في مكافحة الفساد، فرغم الجهود المبذولة على مدار السنوات الماضية، إلا أن تأثير هذه السياسات والإنجازات على حياة المواطن المغربي ظل ضئيلاً، إذ كشف الراشدي أن الفساد لا يزال يشكل عبئاً اقتصادياً كبيراً على البلاد، حيث تكلف هذه الآفة الاقتصاد المغربي ما بين 3.5% إلى 6% من الناتج الداخلي الخام سنوياً، أي ما يعادل حوالي 50 مليار درهم. هذا الرقم الضخم يعكس الحجم الهائل للخسائر الاقتصادية التي يعاني منها المغرب جراء الفساد.
خلال تقديمه للتقرير، لفت الراشدي الانتباه إلى أن المغرب لم يحقق سوى تقدم طفيف في مؤشر إدراك الفساد، إذ ارتفع هذا المؤشر بنقطة واحدة فقط طيلة عقدين من الزمن، وهو تحسن محدود جداً بالنظر إلى الجهود المبذولة والمبادرات التي أطلقت، وعلى الرغم من أن الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد كانت تهدف إلى تحقيق تقدم بـ 23 نقطة في هذا المؤشر، إلا أن المملكة لم تتمكن من تحقيق سوى نقطة واحدة، ليصل مجموع النقاط إلى 38 فقط، وهو ما يشير إلى فجوة كبيرة بين الأهداف الطموحة والنتائج المتحققة.
لكن المشكلة لا تقتصر فقط على ضعف التقدم في مؤشر إدراك الفساد، فالراشدي أوضح أن المغرب سجل تراجعاً في عدة مؤشرات أخرى ترتبط بالنزاهة والشفافية، من بينها استقلال القضاء، حرية الصحافة، والخدمات الرقمية الحكومية المتعلقة بالنزاهة العامة. هذه المؤشرات تعد محورية في تعزيز بيئة مؤسساتية شفافة وخاضعة للمساءلة، غير أن تدهورها يعكس وجود مشاكل هيكلية تعيق تطور منظومة مكافحة الفساد.
وأشار رئيس الهيئة إلى أن التقييم الذي أجرته الهيئة للاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد كشف عن وجود “نواقص جوهرية”. أولى هذه النواقص هي عدم التجانس بين القطاعات المختلفة في تنفيذ الأهداف، حيث أشار إلى أن العديد من المشاريع تفتقر إلى الدقة في التخطيط والتنفيذ، مما أدى إلى تنفيذ مجزأ وغير متكامل لأهداف الاستراتيجية، هذا التفاوت في التنفيذ يعوق تحقيق النتائج المرجوة، ويجعل من الصعب تحقيق تقدم شامل وملموس.
بالإضافة إلى ذلك، أعرب الراشدي عن أسفه لعدم التفاعل البناء للعديد من الجهات المعنية مع توصيات الهيئة في تقاريرها السابقة، وأوضح أن هذا الغياب للتفاعل يضعف الجهود المبذولة لمكافحة الفساد ويجعل من الصعب تنفيذ التوصيات التي تهدف إلى تحسين البيئة المؤسساتية وتطوير الإجراءات الوقائية.
وبالرغم من كل هذه التحديات، يظل الراشدي متفائلاً بإمكانية تحقيق تقدم ملموس في المستقبل إذا ما تم تفعيل توصيات الهيئة بالشكل المطلوب، وتم تعزيز التعاون بين مختلف الفاعلين، سواء كانوا في القطاع العام أو الخاص، لتحقيق نتائج أفضل في مكافحة هذه الآفة التي تؤثر على التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المغرب.