
الدكتور عباس الجراري ، شخصية موسوعية متعددة العطاءات -الحلقة 15
إعداد : د. منير البصكري الفيلالي
يلاحظ أن هذه الأعمال الإبداعية للدكتور عباس الجراري التي تــَـرافـَـق فيها إيقاع التفكير مع إيقاع القوة في الخلق والإبداع ، بوأت الفكر الجراري مكانة أصيلة ، إذ إن إبداعاته الفكرية والثقافية ، تشكل في مجملها هدفا ومنبعا خصبا للحضارة الإنسانية وليس فقط للحضارة العربية الإسلامية . ومن ثمة ، يعد الدكتور عباس الجراري من أقوى وأذكى وأشهر من يكتب ويقود ويصنع ثقافة إبداعية رصينة ، غايتها استجماع قوة العالم العربي والإسلامي .. وهو ما أشار إليه أستاذنا الجليل رحمه الله بقوله : ” إنّ شتات العالم الإسلامي لا يمكن أن تلمَّهُ إلا الثقافة، حتى تتحقّق المصالحة التي نفتقدها اليوم بين المسلمين عبر المصارَحَة .. مضيفا في محاضرته التي افتتحت ” ملتقى الإيسيسكو الثقافي “، أن العالم الإسلامي يحتاج تشخيصا دقيقا لتراثه، وماضيه، لنحدّد الصالح فيه والطالح، فنحتاج أن نعرف التراث الحافل الذي يمتد قرونا على مختلف أصعدة العالم الإسلامي .. ولا يمكن الحديث عن الماضي المجيد دون بحث ونظر فيه، لأن شوائبَ كثيرة دخلته، ونحتاج معها تصفيته لنأخذ بصالحه ” .
إن المتأمل في هذا الكلام ، يدرك ـ لا محالة ـ عمقه وأصالته ، فهو صادر عن رجل خبر الفكر والثقافة وغاص في أعماقهما .. فشكل بذلك قفزة حضارية وهمسة تاريخية ، وظاهرة فكرية على أمتنا العربية الإسلامية أن تفتخر وتعتز بوجود أمثال هؤلاء الرجال لما يحملون من فكر إنساني عميق ، فكانوا مشاعل على دروب الثقافة الإبداعية ، فأنتجوا هذا التراث الأدبي الفكري الناضج ، وخططوا لنا لنكمل المسيرة بنفس الثوابت التي وضعوها ، وذلك على الرغم من التحديات والصعوبات التي أصبح يعرفها العالم اليوم ، مما كان سببا في الوضع الضعيف للثقافة خاصة في وطننا العربي . وهو ما يوضحه أستاذنا الجليل حين قال : ” إن من بين مشكلات الثقافة في العالم العربي الإسلامي اليوم، الانشغال بقضية التنمية ، وقضايا التقدم، والتركيز على الجوانب الاقتصادية والمالية، من صناعة وفلاحة، واستثمارات، علما أنها أمر أساسي وجيد، في حين أن التنمية وكل ما نسعى إليه ماديا، لن يقوم إلا إذا كانت الثقافة في انطلاقته؛ فهي وعي بالذات، ووعي بالهوية ومقوماتها، ووعي بالشخصية من لغة ودين ومعارف “..
يتبع …