
إستراتيجية ناحجة مكنت من الحيلولة دون إستنزاف الفرشة المائية بإقليم طاطا
في خطوة بيئية غير مسبوقة، تمكّنت عمالة إقليم طاطا من تنفيذ قرار جماعي جريء لمكافحة زراعة البطيخ الأحمر، والتي تعد واحدة من أكثر الزراعات استنزافًا للمياه الجوفية. هذه الخطوة جاءت في وقت حرج، حيث يعاني الإقليم من أزمة مائية تهدد مستقبل المنطقة، خاصة مع العجز المائي الذي يتجاوز 80%.
قرار منع زراعة البطيخ، الذي دخل حيز التنفيذ في مارس 2021، لا يُعتبر مجرد إجراء إداري، بل هو ثمرة مشاورات موسعة شملت كافة الفاعلين المحليين: السلطات الإقليمية، المجالس المنتخبة، المجتمع المدني، والساكنة المحلية. هذا القرار جاء استجابة لنداءات بيئية وواقعية تهدف إلى إنقاذ الفرشة المائية وحماية مستقبل المنطقة من العطش.
منذ بداية تنفيذ القرار، كان واضحًا أن هذا القرار لم يكن قرارًا فوقيًا بل جاء نتيجة لوعي جماعي بخطورة الوضع البيئي. فإقليم طاطا، الذي يعاني من نقص حاد في المياه، يشهد انخفاضًا كبيرًا في مستوى المياه الجوفية، ما جعل الفرشة المائية في خطر كبير. هذا الوضع جعل من الضروري اتخاذ خطوات جادة لوقف استنزاف هذه الموارد، ووقف زراعة أكثر من 4,000 هكتار من البطيخ الأحمر التي كانت تستهلك كميات هائلة من المياه.
القرار رقم 38، الذي صدر في 21 مارس 2021، تبعه القرار رقم 424 في 17 دجنبر 2022، واللذان أكدا على ضرورة منع زراعة جميع أنواع البطيخ في الإقليم، إلى جانب فرض عقوبات على المخالفين. هذه القرارات كان لها دور بارز في رسم استراتيجية لتقليل الضغط على المياه الجوفية، وذلك بمواكبة دقيقة وفعالة عبر الحملات التوعوية، والمراقبة الميدانية المستمرة.
إحدى أبرز النقاط التي تميزت بها تجربة طاطا هي التعاون الوثيق بين السلطات المحلية والمجتمع المدني، حيث تم تكثيف الحملات التوعوية لتشجيع الفلاحين على تبني بدائل زراعية أكثر استدامة. تم العمل على توعية الفلاحين بأهمية التوجه نحو زراعات أقل استهلاكًا للمياه، وذلك عبر مشاريع زراعية مستدامة يمكن أن تحقق الربح دون التأثير على البيئة.
ومع ذلك، لم تخلُ التجربة من التحديات. ففي بعض الحالات، ظهرت محاولات لإعادة زراعة البطيخ في مناطق معينة، مما استدعى تدخل السلطات بشكل فوري. لكن هذه الحالات، التي كانت معزولة في الغالب، لم تُلغِ الإنجازات الكبرى التي تحققت، بل على العكس، أظهرت مدى جدية القرار وحجم الالتزام الجماعي بحماية الموارد الطبيعية.
ما تحقق في طاطا خلال السنوات الثلاث الأخيرة يمثل مثالًا يحتذى به في باقي الأقاليم التي تواجه تحديات مائية مشابهة. فهذه التجربة أظهرت أن حماية المياه ليست مجرد مسؤولية حكومية، بل هي مسؤولية جماعية تتطلب تضافر الجهود بين مختلف الأطراف الفاعلة في المجتمع. وعليه، أصبح إقليم طاطا نموذجًا يُحتذى به في كيفية مواجهة الأزمات البيئية من خلال اتخاذ قرارات شجاعة وتطبيقها بصرامة.
في النهاية، تُظهر تجربة طاطا أن القرارات الجريئة، المدعومة بإرادة جماعية وتنسيق محلي فعال، قادرة على إحداث تغييرات إيجابية ملموسة في مواجهة الأزمات البيئية. ورغم الصعوبات، يظل الهدف الأسمى هو الحفاظ على المورد الحيوي للمستقبل: الماء. فطاطا قد نجحت في إنقاذ الفرشة المائية، واليوم أصبح التحدي الأكبر هو الحفاظ على هذه الإنجازات وتوسيع نطاقها لتشمل باقي الأقاليم.