مجتمع

المؤثرون ظاهرة شاذة في المجال الرقمي ميعت المشهد الإعلامي في ظل غياب الرقابة

شهدت الساحة الإعلامية المغربية في السنوات الأخيرة تحولات كبيرة، أبرزها بروز المؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي كقوة ضاربة في المجال الرقمي والتأثير، مما أضعف دور الإعلام التقليدي وفتح النقاش حول مستقبل الصحافة في المغرب حيث بدأت المؤسسات الخاصة والعامة على حد سواء في الاعتماد على هؤلاء المؤثرين للوصول إلى فئات واسعة من المتابعين، خصوصًا الشباب، الذين باتوا ينصرفون عن الوسائل الإعلامية التقليدية ويتوجهون نحو المحتوى الرقمي المتنوع الذي يقدمه المؤثرون بأساليب مبتكرة.

التغيير الذي يعيشه المجال الإعلامي المغربي لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة لعدة عوامل متشابكة، منها التطور السريع في التكنولوجيا الرقمية وانتشار الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل غير مسبوق حيث منح هذا التحول المؤثرين مساحة واسعة للوصول إلى ملايين المتابعين بطرق لم تكن ممكنة في الماضي.

هذه الظاهرة رفعت من مستوى التحدي أمام وسائل الإعلام التقليدية، التي تعتمد على أساليب بطيئة وأكثر تقليدية في إيصال الرسالة الإعلامية، مما جعلها تجد نفسها أمام معضلة فقدان جزء كبير من جمهورها وإيراداتها الإعلانية، حيث تفضل الشركات الاستثمار في المؤثرين الذين يستطيعون التواصل مباشرة مع الجمهور المستهدف بشكل أسرع وأكثر تأثيرًا.

على الرغم من أن الصحافة بالمغرب تتمتع بإطار قانوني واضح ينظم عمل الصحفيين والمؤسسات الإعلامية، مثل قانون الصحافة والنشر لعام 2016 الذي يفرض قيودًا أخلاقية ومهنية ويشترط الحصول على بطاقات مهنية صادرة عن المجلس الوطني للصحافة، فإن المؤثرين ما زالوا يعملون خارج هذا الإطار. هذا الفراغ القانوني ساعد بشكل كبير نشاط المؤثرين، الذي غالبًا ما يعتمدون على محتوى ترفيهي أو دعائي وتافه في بعض الأحيان وغير دقيق في احايين عدة، مما يقود إلى انتشار معلومات غير صحيحة أو مغلوطة. وفي الوقت نفسه، يبدو أن بعض المؤثرين لا يتقيدون بمعايير مهنية واضحة، مما يزيد من الضغوط على وسائل الإعلام التقليدية التي تلتزم بقواعد أخلاقية ومهنية صارمة في تناول القضايا العامة والحساسة.

هذه التغيرات دفعت العديد من الأشخاص في المغرب إلى طرح تساؤلات حول مستقبل الصحافة والإعلام التقليدي. فبينما كان الإعلام التقليدي يلعب دورًا مركزيًا في نقل الأخبار وتوجيه الرأي العام، أصبح المؤثرون الآن منافسًا قويًا في هذا المجال، حيث يستفيدون من غياب الرقابة القانونية الواضحة عليهم لتقديم محتوى يتراوح بين الترفيه والإعلام، دون الحاجة إلى الالتزام بالمعايير الأخلاقية أو المهنية التي تُلزم بها الصحافة.

ويبقى السؤال المطروح: هل ستنجح وسائل الإعلام التقليدية في استعادة مكانتها أمام قوة المؤثرين المتصاعدة؟ أم أن هذا التغيير هو انعكاس لاتجاه عالمي لا يمكن إيقافه؟ والأكيد هو أن المستقبل يتطلب تكاملًا بين الجانبين، حيث قد تكون هناك حاجة إلى تنظيم قانوني أكثر صرامة لعمل المؤثرين، إلى جانب تحديث وسائل الإعلام التقليدية لتبني تقنيات التواصل الرقمي بشكل أكثر فاعلية للحفاظ على دورها كمصدر رئيسي للأخبار والمعلومات الموثوقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إحدى عشر + 10 =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض