ثقافةمجتمع

من النكسة إلى الربيع: مراجعات الفكر العربي بين أمل النهضة وخيبة المثقف

كتب الأستاذ الدكتور محمد التهامي الحراق مقالا مهما يستعرض التحولات الفكرية في العالم العربي من نكسة 1967 إلى أحداث 11 سبتمبر 2001، وتأثيرها على الفكر الأصولي والحداثي. يركز فيه على تراجع المثقف النقدي بعد الربيع العربي، وصعود الخبير التقني كبديل للمثقف في توجيه المجتمع.

الدكتور محمد التهامي الحراق

 

لقد كان لنكبة 1967 أثر كبير على الفكر العربي فأفرز ذلك مراجعات وكتابات كاشفة عن جراح المرحلة وكلومها وتطلعات الخروج منها؛ وكان لنجاح الثورة الإسلامية الخمينية بإيران 1979، آثارها على الفكر العربي الإسلامي، سواء برز ذلك في انتعاش الرؤى الأصولانية في الجناح السني، أو ظهور صيغ تتبنى الحداثة النقدية في التعامل مع العقل العربي أو العقل الإسلامي؛ وكان لسقوط جدار برلين 1989 وظهور خطاب صراع الحضارات واتخاذ الإسلام عدوا جديدا للغرب أو لقسم منه أثر في تغذية التطرف باسم الدين وإحراج الخطاب التحديثي في سياقنا؛ وكان لأحداث الحادي عشر من شتنبر 2001 آثار بارزة في ظهور كثير من ألوان المراجعات النقدية الجذرية للتوجهات الدينية الأصولانية وانتعاش خطاب التنوير في فكرنا؛ لكن بعد الربيع/ الخريف العربي، توالى تراجع العمل الفكري النقدي المواكب لحركة المجتمع؛ حتى لكأن المثقف استقال من الإصغاء لنبضات مجتمعه والإسهام في توجيهه وصياغة تاريخه؛ وحتى لكأن الليبرالية العالمية نجحت في إحلال الخبير التقني، الخادم لمشروعها، محل المثقف الذي يحرس على النظر النقدي في الفعل التاريخيّ والإسهام فيه بمعيارية معرفية وقيمية من شأنها الدفاع عن المشتَرَك الإنساني الذي ظل الإنسان دوما يتوق إليه ويضحي من أجله. الخبير ينظر في الآني فيما المثقف ينظر في الغائي، الخبير لا تهمه الأصول ولا القيم ولا المآلات، فيما المثقف يفكر في الكوني والإنساني والمعياري؛ لذلك يزعج المثقفُ النقدي مخططاتِ الليبرالية الجديدة، وتعاديه الرأسمالية المتوحشة؛ ويريد الإعلام الرقمي المتغطرس أن يحوله إلى مجرد تحفة للذكرى والاستئناس، إنْ لم يكن موضوعا للتسخير والسخرية من لدن ميوعة تستولي على الفضاء مُتَّزِيّةً بكل الأزياء، خالطةً بين النعوت والمراتب والأسماء، طاردةً المعنى من جميع الأشياء…فهل نأمل في ظل هذا، وبفعل ما يعرفه العالم الإسلامي اليوم من أحداث فارقة حارقة، أن يشتغل من جديد فكرنا وأدبنا وفننا وعلمنا وتعليمنا وإعلامنا…، من أجل إيقاظنا من هذا السبات التاريخيّ الذي نجدنا أُسَارَاه ؟؟؟؟…تلك هي المعضلة، إذ بدون هذه اليقظة المطلوبة والحتمية سنصبح وقود تاريخ ٍ لا يد لنا في صياغته، ولا مصلحة لنا في مجرياته؛ سنصير بؤساء في مسرحية نحن ضحاياها، فيما نضحك أو نبكي متوهمين أننا مجرد متفرجين في أحداثها ومآسيها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

18 − أربعة =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض