
سارة امغار
يعد قطاع الصحة من أكثر القطاعات في المغرب عرضة للانتقادات، حيث يجمع المواطنون على الواقع المزري الذي يعيشه المريض والطبيب على حد سواء بسبب غياب عرض صحي يرقى لتطلعات المواطنين، وأيضا ضعف البنيات الاستشفائية وغياب ظروف حفظ كرامة المريض. لذلك في إطار استعدادات المغرب لمونديال 2030 تعمل الحكومة من خلال مشروع قانون المالية لسنة 2025 على تحسين جودة الرعاية الصحية وتوسيع نطاق الخدمات الصحية في جميع أنحاء البلاد.
وضعت الحكومة مجموعة من المشاريع الصحية ضمن خطة عملها لسنة 2025، حيث من المرتقب أن تستمر عملية بناء وتجهيز المراكز الاستشفائية الجامعية بكل من الرباط والعيون وكلميم وبني ملال والراشدية وأكادير بكلفة إجمالية تبلغ ما يقارب 16 مليار درهم.
في الوقت الذي شارفت فيه أشغال المركز الاستشفائي بأكادير على الانتهاء من أشغاله، إذ بلغت نسبة الانجاز 98 في المئة، لم تنطلق بعد الأشغال في المركز الاستشفائي ببني ملال الذي ستبلغ تكلفته الاجمالية 2 مليار و400 مليون درهم ليتم توفير 500 سرير، في حين مشروع المركز الاستشفائي الراشدية قيد الدراسة والذي تبلغ طاقته السريرية 300 سرير بتكلفة 800 مليون درهم، أما بالنسبة للمشروع الكبير للمركز الاستشفائي ابن سينا لم تتجاوز بعد أشغاله نسبة 28 في المئة، في حين تجاوزت نسبة الاشغال بالمركز الاستشفائي العيون النصف.
لا يمكن اعتبار المستشفيات الجامعية كافية لتعزيز العرض الصحي وتغطية الخصاص الذي تعيشه البنيات الصحية في المغرب خاصة في المناطق القروية، لهذا تعمل الحكومة على بناء وإعادة تأهيل المستشفيات الإقليمية في عدة جهات لتعزيز القدرات الاستشفائية وتلبية الاحتياجات الصحية المتزايدة من خلال عدة مراكز استشفائية إقليمية بوزان، تطوان، وجدة، الناظور، بركان، تاوريرت، كرسيف، مولاي يعقوب، مكناس، الخميسات، بني ملال، الفقيه بنصالح، أزيلال، المحمدية، برشيد، الرحامنة، تمانارت، تنغير، ورززات، تالوين، ولاد برحيل، تينغير، كلميم، سيدي إفني، طرفاية، الداخلة، بئر كندوز، صفرو، تاونات وتامنصورت بكلفة إجمالية تقارب 14,5 مليار درهم.
بالتوازي مع تطوير البنية التحتية، تعمل الحكومة من خلال مشروع قانون المالية 2025 على تحسين التغطية الصحية وتعزيز الموارد البشرية في قطاع الصحة. حيث من المرتقب الزيادة في أعداد الأطباء والممرضين وتطوير برامج تدريبية جديدة بالتعاون مع الجامعات ومؤسسات التدريب الطبي.
في ظل كل هذه المجهودات التي تبذلها الحكومة لتطوير قطاع الصحة، يبقى السؤال الأهم: هل هذه التدابير كافية لسد الخصاص الذي يعيشه القطاع الصحي في المغرب، في ظل سخط الشغيلة الصحية على الواقع المتردي الذي تعيشه؟ فتنمية القطاع الصحي تتجاوز البنيات التحتية والاستثمار في التكنولوجيا رغم أهميتهما البالغة، لتشمل عدة عوامل أخرى مرتبطة أساسا بالعنصر البشري.
يعتبر إرضاء الشغيلة الصحية وتلبية مطالبها واحد من أهم التحديات التي يواجهها القطاع، فبيئة العمل السيئة التي يعاني منها الأطباء والممرضين تعد من أهم الأسباب التي تمنع النهوض بالعرض الاستشفائي، خاصة في ظل ضعف الأجور مقارنة ببلدان أخرى وغياب التحفيزات، مما زاد من وتيرة الإضرابات خلال الفترة الأخيرة، في حين اختار آخرون تغليب كفة الهجرة إلى دول الشمال.
في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة تحسين البنيات التحتية، يبقى النقص الحاد في اليد العاملة واحدا من أهم العقبات التي تواجه المغرب، فلا قيمة لمستشفيات حديثة ومجهزة في ظل وجود أطباء وممرضين يعانون من الإرهاق بسبب المجهود المضاعف لسد الخصاص وتلبية الطلب المتزايد على الخدمات الطبية وذلك لنقص اليد العاملة الكافية.
وما يزيد الطين بلة، الضبابية التي يعيشها أطباء المستقبل، وإضرابهم المستمر للمطالبة بتحسين ظروف التكوين، مما من شأنه -في حال استمرار عجز الحكومة وطلبة الطب في إيجاد حل وسط – ليس فقط تعطيل استراتيجية التنمية الصحية للمغرب وإنما تسخير الموارد الاقتصادية والبشرية للمغرب للعشرين سنة القادمة لسد الفجوة التي ستخلقها السنة البيضاء.
إن استدامة تطور القطاع الصحي في المغرب تعتمد أساسا على استعداد الحكومة للتفاعل السريع مع المتغيرات وإيجاد حلول سريعة من شأنها وقف نزيف الأزمات منذ بدايتها، وتجنب سياسة “التجاهل” للتحديات التي تواجهها وتعطل مسار التنمية في المغرب.