ثقافة

صورة عميد الأدب المغربي الدكتور عباس الجراري في أعين شعراء الملحون

إعداد : الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي

          بمناسبة الإطلالة البهية لشهر رمضان الكريم لعام 1446 الموافق لعام 2025 أهدي هذه السلسلة من الحلقات الرمضانية إلى روح عميد الأدب المغربي أستاذي الدكتور عباس الجراري أكرم الله مثواه بعنوان : ” الدكتور عباس الجراري على ألسنة شعراء الملحون “. فاللهم ارحمه واعف عنه يا كريم واكتبه عندك من المحسنين وارزقه الجنة دون حساب ،  وتظله تحت عرشك يوم لا ظل إلا ظلك  .. اللهم بجاه بركة هذا الشهر الفضيل , ارحم أمواتا ينتظرون منا الدعاء ، واغفر لهم ونور قبورهم واجعلها بردا وسلاما برحمتك يا أرحم الراحمين .

شغل فن الملحون أستاذنا الجليل الدكتور عباس الجراري منذ فترة غير يسيرة . نحن نعلم جيدا مدى تمسكه ـ رحمه الله ـ بالهوية والذاتية والشخصية المغربية . من هنا ، كان منطلقه في تناول التراث المغربي والفكر المغربي والهوية المغربية ، خاصة موضوع الملحون من حيث هو ذاكرة ، وفي سياق واقعه من منظور الآفاق التي تنتظره . ولا يخفى على أحد أن فن الملحون جزء مهم وركن ركين في التراث الشعبي بصفة خاصة والتراث الفكري والثقافي بصفة عامة .. وهو أيضا مع بقية أنواع التراث الأخرى ، مكون لذاتيتنا وهويتنا ، ولا يمكن التفريط فيه . نظر إليه أستاذنا كواقع أدبي وفني مكتمل الأوصال ، أي أنه اكتمل في مضامينه وأشكاله وأساليب تقديمه وترديده وإنشاده .

وهكذا ، انبرت جهود أستاذنا إلى البحث في الملحون وفق منهج ورؤية علمية دقيقة ، ودراسة جادة تناولت هذا الشعر بالجمع والتدوين والوصف والتصنيف والتحليل ، دراسة خالصة لوجه العلم ، لا يفل من عزمها إهمال المهملين ، ولا ازدراء المزدرين ، ولا إنكار الجاحدين .

للتذكير فقط ، فإن الأصول الأولى لظهور فن الملحون،  تعود  إلى منطقة تافيلالت المغربية ونواحيها إلى زمن يتجاوز ستة قرون، بما يجعله من أعرق الفنون التي تميز الحضارة المغربية وتاريخها .

ونظراً إلى سحره وجماله، لم يسترع الملحون كبار القوم من الطبقة البرجوازية والسلاطين فقط ، بل إن تداوله من لدن الحرفيين أصبح أكثر شيوعاً وانتشاراً واستمرارية في وجدان المغاربة . فهو ليس مجرد لغة شعرية عامية (دارجة) ، لكنه يمثل روح الحياة المغربية العامة خلال العصور الوسطى ، فهو يشكل وثيقة تاريخية مذهلة ترصد وتوثق مظاهر الحياة اليومية ونظم عيش المغاربة وطرق تغنيهم بالحب والعشق والصداقة والتعبد وغيرها من الموضوعات التي نظم فيها شعراء الملحون من خلال ” الأغراض المتعددة التي تتجاوز أغراض الشعر المعروفة ، مثل “الصبوحي” و”العشويات” والليليات”، وهي أغراض تعبيرية خاصة بمفهوم الزمن خلال اليوم الواحد، كما يتكون من أربعة أنظمة عروضية، حيث نعثر داخل كل واحد على عديد من “المقاسات” المشكلة لبنيته العروضية”.

من ثمة، فالملحون رافد أساسي من روافد الذاكرة المغربية بحكم تجدره في تاريخ الحضارة المغربية وارتباط مضامينه وأشكاله بطقوس الحياة اليومية في المغرب منذ أكثر من ستة قرون على حد ما أشرنا سابقا . فهو شعر عامي قريب إلى اللغة العربية الفصحى ، يتناقله الأفراد من جيل إلى جيل لكونه يرصد مختلف الأحداث التي شهدتها بلادنا خلال فترات تاريخية مختلفة ، مما يستدعي ضرورة قراءة وتحليل النصوص الشعرية لهذا اللون الأدبي المتميز .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنان × 4 =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض