مجتمع

المحتوى الهادف بين مطرقة التفاهة وسندان خوارزميات الانتشار الرقمي.

عبدالرحيم لحبابي

أصبح انتشار التفاهة في الفضاء الإعلامي والرقمي ظاهرة متفاقمة، خصوصا مع سيطرة منصات التواصل الاجتماعي التي تفرض منطق الاستهلاك السريع للمحتوى على حساب جودته وقيمته الفكرية. فقد أدى انتشار هذه المنصات إلى صعود موجة من المحتويات السطحية التي تحظى بمتابعة واسعة، في مقابل تراجع المحتوى الهادف والجدي.

تساهم الخوارزميات بشكل رئيسي في تعزيز هذه الظاهرة، حيث تقوم بأنماطها الذكية بترشيح المحتوى الذي يحظى بأكبر قدر من التفاعل والمشاهدات، بغض النظر عن مستواه أو قيمته. وبهذا، أصبحت معايير النجاح تقاس بعدد الإعجابات والمشاركات، وليس بمدى عمق المحتوى أو فائدته. هذا الواقع خلق بيئة رقمية تكرس ثقافة الشهرة السريعة التي تعتمد على الإثارة والاستعراض بدلا من الموهبة والاجتهاد، ما أثر بشكل سلبي على نظرة الأفراد، خاصة الشباب، لمفهوم النجاح.

النتائج الاجتماعية لهذه الظاهرة لا يمكن تجاهلها، إذ إن انتشار المحتويات التافهة ساهم في تهميش الفكر النقدي وتقليص الاهتمام بالقضايا الجدية والمفيدة ، مما أدى إلى انحسار دور النخب الفكرية والثقافية في توجيه الرأي العام. كما أن سهولة الوصول إلى الشهرة دون الحاجة إلى مجهود حقيقي عززت فكرة النجاح السهل، وهو ما يتناقض مع قيم العمل والاجتهاد التي يقوم عليها أي مجتمع يسعى للتقدم.

في ظل هذا الوضع، اصبح من الضروري إعادة التوازن في المشهد الإعلامي والرقمي، من خلال المساهمة في تطوير المحتوى الهادف ودعم المبادرات التي تحفز الإبداع والفكر النقدي. كما يقع على عاتق المؤسسات الإعلامية والمجتمعية مسؤولية مواجهة هذه الموجة من التفاهة، عبر توعية الأفراد بأهمية المحتوى الجيد وتشجيع المنصات على تبني سياسات تحفيزية للمحتوى القيم، حتى لا يتحول الفضاء الرقمي إلى ساحة لتمجيد السطحية على حساب المعرفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

17 − تسعة =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض