
صورة عميد الأدب المغربي الدكتور عباس الجراري في أعين شعراء الملحون- الحلقة الخامسة عشرة
إعداد : الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي
بمناسبة الإطلالة البهية لشهر رمضان الكريم لعام 1446 الموافق لعام 2025 أهدي هذه السلسلة من الحلقات الرمضانية إلى روح عميد الأدب المغربي أستاذي الدكتور عباس الجراري أكرم الله مثواه بعنوان : ” الدكتور عباس الجراري على ألسنة شعراء الملحون “. فاللهم ارحمه واعف عنه يا كريم واكتبه عندك من المحسنين وارزقه الجنة دون حساب ، وتظله تحت عرشك يوم لا ظل إلا ظلك .. اللهم بجاه بركة هذا الشهر الفضيل , ارحم أمواتا ينتظرون منا الدعاء ، واغفر لهم ونور قبورهم واجعلها بردا وسلاما برحمتك يا أرحم الراحمين .
وللحق والحقيقة ، فإن الوقوف عند شخصية أستاذنا ـ رحمه الله ـ من طرف شعراء الملحون، له قيمته ووزنه. فهو ممن يمتلكون شخصية قوية وذكاء ثاقبا وثقافة عالية شاملة مما أهله ليكون أديبا مشرقا ومشرفا. وشعراء الملحون وهم ينظمون قصـائـد عـن الأستاذ فذلك لا يعني أنهم كانوا يسعون إلى رفع قيمته ، بقدر ما يرفعون من قيمتهم وهم يتناولون الجوانب الأخلاقية والفكرية والاجتماعية ومساهماته الغنية والكثيرة خاصة في مجال الملحون . يقول الشاعر أحمد لبريج :
يا بدر علا فسماه ولاح نور أ بهــاه حق المولى رقـــاه لدراج أتليف به
ببيان ودو مـولاه ومن فضلو اعطاه جعلوا دليل المن تاه ويكون لو انبيــه
اعذيب ارحيقو محلاه ايود بيه النباه من ذاقو نال امناه والمرغوب يقضيــه
فايق البحر المالي محيط حايط فخباه شلا اكنوز انفاس
اجواهر واذهب ايلالي واحجار اكريما حق يلزمها غطـــــاس
يا الشهم الفذ الغالـــي يا من علمو بشعاه شاع بين النــــــاس
يا ابدر اضياه فالعالي اسمك ما اخفى لدهات الجراري عباس
ومعلوم أن فن الملحون شغل ويشغل أستاذنا الجليل الدكتور عباس الجراري منذ فترة غير يسيرة . نحن نعلم جيدا مدى تمسكه بالهوية والذاتية والشخصية المغربية . من هنا ، كان منطلقه في تناول التراث المغربي والفكر المغربي والهوية المغربية ، خاصة ـ على حد ما أشرنا قبل قليل ـ موضوع الملحون من حيث هو ذاكرة ، وفي سياق واقعه من منظور الآفاق التي تنتظره . ولا يخفى على أحد أن فن الملحون جزء مهم وركن ركين في التراث الشعبي بصفة خاصة والتراث الفكري والثقافي بصفة عامة .. هو أيضا مع بقية أنواع التراث الأخرى ، مكون لذاتيتنا وهويتنا ، ولا يمكن التفريط فيه . نظر إليه أستاذنا كواقع أدبي وفني مكتمل الأوصال ، أي أنه اكتمل في مضامينه وأشكاله وأساليب تقديمه وترديده وإنشاده .. لم يكن الدارسون والباحثون يتحدثون عنه كأدب شعبي مقابل الأدب المدرسي ، إلا من خلال إشارات عابرة وباهتة ، على الرغم من أن الشعب المنتج لهذا الأدب ، لم يكن ليكف يوما من الأيام عن إنتاج أدبه ، فكانت الأمثال الشعبية والسير والمغازي والألغاز والحكاية الشعبية ، ونظم الأشعار بالعامية والتغني بها ، حاضرة كلها وبقوة ، تتضمن ثقافته الشعبية من خلال معتقداته وعاداته وتقاليده وقيمه ومختلف أنماط عيشه .. إذ تعد الثقافة بالنسبة للمجتمع الإنساني بمثابة الماء والهواء ، فلا يحول دون وجودها تجاهل المتجاهلين وإهمال المهملين وجحود المنكرين .. وهو ما يبدو جليا من خلال ما جاء في مقدمة كتاب ” القصيدة ” لأستاذنا الدكتور عباس الجراري حيث يقول : ” لكل أمة تراث هو عنوان شخصيتها الوطنية يعبر عن قدرة عقليتها ويحدد مدى عبقريتها ، ويكشف عن قوة إرادتها ويبرز طابعها القومي الأصيل في مجالي الحضارة والثقافة .. ”