
صورة عميد الأدب المغربي الدكتور عباس الجراري في أعين شعراء الملحون- الحلقة السادسة عشرة
إعداد : الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي
بمناسبة الإطلالة البهية لشهر رمضان الكريم لعام 1446 الموافق لعام 2025 أهدي هذه السلسلة من الحلقات الرمضانية إلى روح عميد الأدب المغربي أستاذي الدكتور عباس الجراري أكرم الله مثواه بعنوان : ” الدكتور عباس الجراري على ألسنة شعراء الملحون “. فاللهم ارحمه واعف عنه يا كريم واكتبه عندك من المحسنين وارزقه الجنة دون حساب ، وتظله تحت عرشك يوم لا ظل إلا ظلك .. اللهم بجاه بركة هذا الشهر الفضيل , ارحم أمواتا ينتظرون منا الدعاء ، واغفر لهم ونور قبورهم واجعلها بردا وسلاما برحمتك يا أرحم الراحمين .
هكذا ، انبرت جهود أستاذنا إلى البحث في الملحون وفق منهج ورؤية علمية دقيقة ، ودراسة جادة تناولت هذا الشعر بالجمع والتدوين والوصف والتصنيف والتحليل ، دراسة خالصة لوجه العلم ، لا يفل من عزمها إهمال المهملين ، ولا ازدراء المزدرين ، ولا إنكار الجاحدين . إن اهتمام أستاذنا وعنايته بالشعر الملحون ، وهو شق من الأدب المغربي ، تم إدخاله إلى رحاب البحث العلمي الجامعي على يد أستاذنا ، بعد صراع مرير مع نخبة معترضة ، كان لهما دور كبير في التغلب على كل الصعوبات التي واجهت الأستاذ من طرف بعض المثقفين في سنوات السبعين من القرن الماضي ، حيث كان لهم موقف سلبي من تدريس الأدب الشعبي ومنه الملحون في الجامعة المغربية . وقد عبر أستاذنا الجليل عن هذا الموقف في كتابه : ” القصيدة ” بقوله : ” ولعلنا أن نؤكد لهؤلاء جميعا ، أن الأدب الشعبي جزء ركين من التراث ، وأنه تعبير عن مقومات الشخصية الوطنية والذاتية الجماعية ، وأن الاهتمام به اهتمام بهذه الذاتية وتلك المقومات .. ”
لذلك ، وجدنا شعراء الملحون يشيدون بمواقف الأستاذ تجاه فن الملحون على حد ما نجد عند الشاعر الفنان الأستاذ جمال الدين بنحدو إذ يقول :
كداك فالفن متفاني
صان تراث الملحون واصحابو لخياري
لقد كان أستاذنا ـ رحمه الله ـ رائد الدراسات الشعبية خاصة الملحون .. فهو من الأوائل الذين اهتموا بهذا الفن الرفيع وأولوه عنايتهم به في وقت مبكر على الرغم من المتاعب والمصاعب . لكن الرجل وبهمة عالية ، يدرك ما لا يدركه غيره ، إيمانا منه لعمق الاعتزاز بالانتماء القوي لهذا الوطن وبصيانة الذاكرة الوطنية ، وترسيخ مقومات هوية الشخصية المغربية التي عمل ـ رحمه الله ـ جاهدا من أجل إبرازها والدعوة إليها وتربية الأجيال على التشبث بها . ومن هنا جاء تنويه الشاعر مولاي اسماعيل العلوي بعمل الأستاذ وإشادته بجهوده وعطاءاته في مجال التراث الشعبي. يقول :
مثلك كمرة فظلام ضوات في ليلة واح بنور جداد
شاري صميم لفئاد شعبي ظريف وقاد
احيا بك هاد التراث ملحون غادي بثبات مجهودك عاطي غلات
سهران دون توقيف باقي خير مشرف
والباحثين نجحوا بجهاري
نعرف من فاز ونال دكتورا فالأدب والفن العالي
ملحون باحث فخباه وحيا شاعر معاه
ويقول الشاعر محمد نجمي الروداني :
كتبه ودراساته ضفرت ب مكانة
عند الحاقين لغتنا
ف جامعات وروبا وجامعات ميريكانا
رفوفهم بها مزينا
هذا غير النزر القليل من سن بدر سمانا
اللي به نجلى داجنا
ولم ينس شعراء الملحون الحديث عن كتاب : الزجل في المغرب ، القصيدة .. وهو كتاب سيبقى ذخيرة علمية وأدبية تعتز بها مكتباتنا الخاصة والعامة ، إذ لا مجال للاستغناء عنه .. فهو يؤرخ ويوثق ويصف ويحلل لشعر اعتبره الكثيرون أدبا متميزا وذخيرة المغرب الأدبية والفنية بامتياز . ولعل الصفة العلمية الموسوعية التي عرف بها أستاذنا ، زادت من قيمة هذا الكتاب وجعلته فريدا في بابه ، نفيسا في محتواه . وهو ما حدا بحرمه المصون ، السيدة الفاضلة الأستاذة حميدة الصايغ لإعادة طبع هذا الكتاب في حلة جميلة ، استجابة لمطلب كنا تقدمنا به في حياة أستاذنا ، إذ لا يخفى أن هذا الكتاب مؤلف رائد ، ودراسة علمية وأدبية جادة ، أبدعته أصالة باحث متمكن وأترفه التجدد ، فاتخذ الطريقة المثلى ليصل بين ماض نعتز به وجديد يجذبنا إليه . لذلك ، كانت الحاجة ماسة لإعادة طبعه في وقت تحرص أكاديمية المملكة على إخراج دواوين الشعر الملحون منذ أن أصدرت أول ديوان للشيخ عبد العزيز المغراوي . ودون قراءة كتاب القصيدة ، لن تفهم دواوين الملحون ، لأن كتابا كهذا جليل بمادته ، غزير بمعلوماته عن فن الزجل بالمغرب ، كأحد ألوان الأدب الشعبي وأنماطه .. يغري بالبحث ، إذ من حين لآخر تنكشف جوانب وضاءة من هذا الفن الرفيع الذي اجتمعت له عناصر الأصالة والجدة ، وتمثلت فيه عبقرية الشاعر الشعبي المغربي بكل ما فيها من غنائية وأخيلة وإحساس بالحياة .