
الحرب الأهلية في السودان: أسباب وآفاق
في تقرير حديث، أكد جواد كردودي، رئيس المعهد المغربي للعلاقات الدولية (IMRI)، أن الحرب الأهلية في السودان تُعد من أكثر النزاعات دموية ودمارًا في العالم اليوم، رغم قلة الاهتمام الإعلامي الذي تحظى به مقارنة بالحروب الأخرى كأوكرانيا والشرق الأوسط.
وأوضح التقرير أن جذور الأزمة السودانية تعود إلى التاريخ الحديث لهذا البلد الواقع في شمال شرق إفريقيا، والذي يمتد على مساحة 1.8 مليون كيلومتر مربع ويبلغ عدد سكانه 43.1 مليون نسمة.
وأشار التقرير إلى أن السودان خضع في عام 1820 لسيطرة كلٍّ من الأتراك والمصريين، حيث كان يُمارس آنذاك تجارة العبيد على محور شمال-جنوب. وفي القرن التاسع عشر، وقع السودان تحت سيطرة مصر بقيادة محمد علي. ثم في عام 1899، أصبح السودان خاضعًا للحكم الإنجليزي-المصري المشترك. وبعد الثورة المصرية عام 1952، حصل السودان على استقلاله في عام 1956.
ووفقًا للتقرير، فقد شهد السودان سلسلة من الانقلابات العسكرية، أبرزها انقلاب جعفر نميري عام 1969، حيث حكم البلاد حتى عام 1985 ببرنامج اشتراكي وقومي عربي، كما أسس نظامًا إسلاميًا في وقت كانت فيه مناطق جنوب السودان ذات أغلبية مسيحية ووثنية. وفي عام 1989، استولى عمر البشير على السلطة بانقلاب عسكري وحكم البلاد بقبضة حديدية حتى الإطاحة به عام 2019.
وذكر التقرير أن النزاع الحالي اندلع في 15 أبريل 2023 عندما شنت قوات الدعم السريع (FSR) بقيادة محمد حمدان دقلو هجمات على قواعد عسكرية، خاصة في دارفور وأجزاء أخرى من السودان. وأعلن دقلو حينها سيطرته على القصر الرئاسي، ومطار الخرطوم الدولي، وقاعدة جبل أولياء الجوية. كما أقدمت ميليشياته على إحراق طائرات مدنية في مطار الخرطوم، من بينها طائرة تابعة للخطوط الجوية السعودية.
وأوضح التقرير أن الجيش السوداني، بقيادة عبد الفتاح البرهان، ردّ على تلك الهجمات بشن غارات جوية على مواقع قوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم. وفي 19 مايو 2023، أُقيل دقلو من منصب نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي، وواجه اتهامات بارتكاب انتهاكات جسيمة بحق المدنيين، شملت قتل الأطفال واغتصاب النساء بناءً على خلفياتهم العرقية.
وأكد التقرير أن النزاع أسفر عن خسائر بشرية تتراوح بين 20 إلى 50 ألف قتيل، وأكثر من 33 ألف جريح، فضلًا عن 2.1 مليون لاجئ، بينهم 800 ألف لاجئ في تشاد، بالإضافة إلى 10 ملايين نازح داخليًا. كما أشار إلى أن الأزمة الإنسانية في السودان تزداد تفاقمًا مع انتشار المجاعة، حيث يُعاني ما بين 25 و45 مليون شخص من نقص حاد في الغذاء والمياه الصالحة للشرب.
وفي تطور حديث، ذكر التقرير أن الجيش السوداني تمكن يوم الجمعة 21 مارس 2025 من استعادة القصر الرئاسي في الخرطوم، بعد عامين من سيطرة قوات الدعم السريع عليه. وأوضح أن هذه القوات ردت بهجوم بطائرات مسيرة استهدف القصر الرئاسي، ما أدى إلى مقتل ثلاثة صحفيين وعدد من الجنود.
وختم التقرير بالتأكيد على أن النزاع في السودان يعكس صراعًا مريرًا بين جنرالين يتصارعان على السلطة في بلد واحد، وهو ما تسبب في كارثة إنسانية جسيمة. كما أبرز التقرير أن الجهود الدولية، بما في ذلك مساعي الأمم المتحدة والولايات المتحدة والدول العربية، لم تنجح حتى الآن في تحقيق وقف لإطلاق النار.
وأكد التقرير على ضرورة إصلاح منظمة الأمم المتحدة لتزويدها بوسائل قانونية وعسكرية فعّالة تُمكنها من فرض السلام عند اندلاع النزاعات المسلحة. كما شدد على أهمية رفض الاعتراف بأي نظام ناتج عن انقلاب عسكري، مشيرًا إلى أن الاتحاد الإفريقي يتبع بالفعل هذه السياسة.
وخلص التقرير إلى أن أحد الدروس الرئيسية المستخلصة من النزاع السوداني هو ضرورة منع وجود أي ميليشيا مسلحة خارج إطار الجيش الوطني، مستشهدًا بتجربة حزب الله في لبنان. وأكد التقرير أن الحرب في السودان لا تزال مستمرة، مما يتطلب تكثيف الجهود الدولية من أجل تحقيق سلام دائم ومستقر في البلاد.