
الإسراء والمعراج: معجزة تتجدد في العقل والروح عبر الزمن
الدكتور محمد التهامي الحراق
لقد بُعِثَ سيدنا محمد رحمة للعالمين، ورسالته خاتمة لرسالات سائر الأنبياء والمرسَلين، ومن ثم فهو معني بمخاطبة البشرية جمعاء، والممتدة جغرافيتها وتواريخها وأجناسها ولغاتها وثقافاتها وذاكراتها وهوياتها المتنوعة من القرن السابع للميلاد إلى يوم الدين. لذا، على العلماء المسلمين، ورثة التبليغ عن الرسول الخاتم، أن يبذلوا جهدا استثنائيا لبلوغ هذا الأفق الأنطلوجي، وترجمة هذا البعد الكوني؛ أو قل باللغة القرآنية، لبلوغ وترجمةِ هذا الأفق العالميني للخطاب النبوي.
إنها الزاوية المنسية في مقاربة معجزة الإسراء والمعراج؛ بدءا من إعادة تحديد مفهوم المعجزة وفق أسئلة العقل المعاصر ورهانات إبستميته، إلى تقديم قراءة للإسراء والمعراج تبرز الأبعاد الإنسية والكونية والرحموتية والجمالية في هذا الحدث الفريد.
كيف نقرأ ، مثلا، تكريم الإنسان في هذه المعجزة؟ وكيف تتحقق أخوة الأنبياء والرسائل والأديان في محطات هذه المعجزة؟ وأي علاقة تنتسج بين العقل والإيمان، بين التاريخ والتعالي، بين الشهادة والغيب، بين المعنى المطلق واللغة النسبية، بين السؤال والجمال… وفق هذه المعجزة؟ وكيف يمكن للإنسان أن يهتدي برمزية المشاهدات النبوية في المعراج السماوي لتكريس قيم العدل والسماحة والتعارف والسلام والتعاون والمحبة لإعمار رشيد واستخلاف سديد للإنسان في الأرض؟ ثم كيف يمكن استثمار مثل هذه المعجزة لتجديد إيمان المؤمنين بشكل يجعلهم مصدر فعل سديد في التاريخ؛ أو قل مصدرَ خير ونفع وطمأنينة وجمال وسعادة وإصلاح لانحرافات الإنسان وإنقاذ له من إحراجاته الوجودية والمعرفية والروحية والأخلاقية هنا والآن؟….هذه في نظري المتواضع بعض المدارات التي على المسلمين التفكير فيها وبها وهم يستعيدون في السياق المعاصر معجزة الإسراء والمعراج بما هي حدث فائض بالمعنى، ولحظة رفيعة في سيرة الرحمة المهداة للعالمين ، عليه وعلى آله وصحبه أبهى الصلاة وأزهى التسليم.