مجتمع

مراكز النداء بالمغرب: محطة انتظار مؤقتة بين الهشاشة والإدمان

كشفت دراسة ميدانية حديثة، نُشرت تحت عنوان: ” بحث ميداني عن مراكز النداء بالمغرب: مواطن الضعف والهشاشة النيوكولونيالية وأشكال جديدة للعمل النقابي، عن معاناة كبيرة يعيشها العاملون في قطاع مراكز النداء بالمغرب، سواء من حيث ظروف العمل أو الأوضاع الاجتماعية والنفسية، بما في ذلك تفشي الهشاشة وانتشار الإدمان بين المستخدمين.

مراكز النداء: ملاذ اضطراري لحاملي الشهادات

وتشير الدراسة، التي أنجزها كل من معهد بروميثيوس من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان والمجلس المدني لمناهضة جميع أشكال التمييز، إلى أن هذا القطاع أصبح ملاذاً اضطرارياً لآلاف الشباب من حاملي الشهادات العليا، والذين وجدوا أنفسهم خارج سوق الشغل في غياب فرص تتناسب مع مؤهلاتهم الأكاديمية.

وترى الدراسة أن الدولة استفادت من هذا الوضع لتخفيف الضغط على نسب البطالة، في حين استغل القطاع الخاص هذه اليد العاملة المؤهلة والقابلة للتكوين والتأطير بأقل تكلفة ممكنة.

اقتصاد “المنفعة” وسوء الفهم المؤسساتي

ورغم الترويج الرسمي لمراكز النداء باعتبارها محركاً للنمو الاقتصادي، إلا أن نتائج البحث تُظهر صورة مغايرة، حيث يصف الباحثون هذا النموذج بأنه قائم على “اقتصاد المنفعة”، والذي يخفي وراءه واقعاً من التناقضات: عدم توافق بين المؤهلات وسوق العمل، هشاشة في عقود الشغل، ضعف الحماية الاجتماعية، وغياب التنظيم النقابي الفعّال.

شهادات من الداخل: انتظار طويل بلا أفق

الدراسة، التي استندت إلى شهادات مباشرة من العاملين بالميدان، أوضحت أن أغلب من يواصلون العمل في هذا القطاع هم من الشباب غير المتزوجين، وغالباً ما ينظرون إليه كحل مؤقت أو “محطة انتظار محبطة” في ظل غياب بدائل حقيقية. هذا الواقع يعكس، حسب الباحثين، الأزمة البنيوية في إدماج الشباب الحاصلين على شهادات جامعية داخل النسيج الاقتصادي المغربي، خصوصاً في المدن الكبرى.

قوانين أوروبية تحد من اللجوء إلى مراكز النداء خارج الاتحاد الأوروبي

وفي سياق متصل، بدأت بعض الدول الأوروبية في تبنّي قوانين وتشريعات جديدة تهدف إلى تقنين أو منع تحويل خدمات مراكز النداء إلى دول خارج نطاق الاتحاد الأوروبي، مثل المغرب وتونس والهند، وتستند هذه التشريعات إلى اعتبارات متعددة، من بينها حماية المعطيات الشخصية للمواطنين الأوروبيين، وضمان احترام معايير الشغل اللائق والشفافية، إلى جانب الحفاظ على مناصب الشغل داخل السوق الأوروبية.

وقد أثّر هذا التوجه سلباً على آفاق التطور المستقبلي للقطاع في بلدان الجنوب، حيث تعتمد شركات عديدة على العقود المُبرمة مع مؤسسات أوروبية كبرى، فبموجب هذه القوانين، يُفرض على الشركات الأوروبية توضيح مكان معالجة البيانات، وتُشجع على إبقاء الخدمات الحساسة داخل حدود الاتحاد الأوروبي، مما يُهدد استمرارية عدد من مراكز النداء الخارجية ويزيد من هشاشة وضع العاملين بها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

17 + ثلاثة عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض