
في “غربة” الحوار العلمي…
الدكتور محمد التهامي الحراق
مرةً أخرى، يُفسِد طلبُ الشهرةِ والإعجابِ وتضخّمُ الأنواتِ وجنونُ “البوز”، شروطَ النقاش السليم حول قضايا وأسئلة معرفية ودينية مصيرية، لا يعي الكثير من المتحدثين فيها خطورةَ رهاناتها، المعرفية والروحية والوجودية الراهنة والمستقبلية، على الإسلام والمسلمين في السياق المعاصر. ومرة أخرى، تبدو أصواتُ أهل المعرفة غريبةً ضمن “الضجيج الإعلامي الرقمي” الذي صاحب موضوعات جدية للغاية، وحولها إلى تنابزات وتلاسنات ومماحكات “للفرجة” بدل أن تكون مدارات للتفكير العلمي النقدي المسؤول؛ أعني هنا تحديدا أسئلة مفهوم العلم في القرآن الكريم، ومسار تطوره في الثقافة الإسلامية؛ وجدلية العلوم النقلية والعقلية كما طرحت منذ عصر التدوين، وأشكال التعامل معها في السياقات التاريخية الإسلامية، وأهمية ما قام به المسلمون في ترتيب العلوم، بل وإزاحة ألوان التنابذ المعرفي بين العقل والإيمان، بين الدين والفلسفة…وأثر ذلك في انبثاق العلم التجريبي في الحضارة الإسلامية ومن منطلق وحياني قرآني، كما تبرز ذلك دراسات علمية رصينة للمسلمين ولغير مسلمين؛ وكذا حاجتنا اليوم إلى نقد إبستمولوجي لمفهوم العلم في العلوم الإسلامية والعلوم الإنسانية والعلوم الكونية…من أجل إعادة ترتيب خريطة المعارف في الابستمية المعاصرة، دون الإخلال بالصلات المتعددة لهذه المعارف بمصادرها ووظائفها المتجددة.
نقاش مثل هذا، يحتاج إلى علماء الدين والاجتماع والنفس واللغة والفلسفة والابستيمولوجيا…، فضلا عن المتخصصين في تاريخ العلوم والمعارف المختلفة؛ وذلك من أجل التداول النقدي العالم في الأسئلة المشار لبعضها أعلاه. ودون ذلك فإننا نزيد الأمور “تخليطا”، و”العلم والعلماء” غربة، ومن ثم نزيد الأمة تجهيلا؛ ونزيد أزمتها، متعددة الأضلاع، تأزيما.