
القرى المغربية خارج التغطية… عزلة رقمية في زمن التحول الرقمي
في زمن تسابق فيه المدن رياح الرقمنة وتتحول فيه الحياة إلى عالم متصل لا يعرف الانفصال، ما تزال القرى تقف على هامش التغطية، تصارع عزلة رقمية تعمق الفجوة بين المركز والهامش.
ففي الوقت الذي أصبحت فيه خدمات الإنترنت حاجة أساسية لا تقل أهمية عن الماء والكهرباء، يعاني سكان المناطق القروية من انقطاع متكرر، تغطية ضعيفة، أو غياب تام للشبكة، ما يحرمهم من فرص التعليم عن بعد، الخدمات الصحية الرقمية، بل وحتى من أبسط حق في التواصل والنجدة في لحظات الطوارئ
عزلة متجددة في المناسبات الدينية
مع اقتراب كل مناسبة دينية أو عطلة مدرسية، تتكرر معاناة سكان القرى المغربية في التواصل مع ذويهم بسبب ضعف أو انعدام التغطية الهاتفية وشبكة الإنترنت. عشرات الآلاف من الأسر التي تنتقل إلى القرى لزيارة الأهل تجد نفسها محاصرة بعزلة رقمية حقيقية، حيث لا توجد شبكة تكفي لإجراء المكالمات أو إرسال الرسائل.
أما في عيد الأضحى لهذه السنة، فقد شهدت الظاهرة بعدا جديدا فمع قرار إلغاء ذبح الأضحية، الكثير من الناس امتنعوا عن السفر نحو القرى، حيت فضل العديد منهن التواصل مع العائلة عبر الهاتف فقط. لكن المشكلة الحقيقية كانت في ضعف أو انعدام التغطية، مما جعل عملية الاتصال مع أفراد العائلة في القرى شبه مستحيلة، وزاد من مشاعر العزلة والافتقاد، خصوصا لمن فقدوا فرصة اللقاء المباشر مع أحبائهم.
قصص من الواقع: زهرة و سعاد
في دوار أولاد علي بإقليم فاس، تحكي زهرة، وهي امرأة في الأربعين من عمرها، عن معاناة يومية مع ضعف الشبكة. تقول في تصريح لجريدة MCG24:
“أقضي وقتا طويلا أبحث عن مكان يلتقط فيه هاتفي الشبكة. في هذا البيت لا توجد سوى زاوية واحدة أتمكن فيها من إجراء مكالمة، وإن تحركت خطوة واحدة ينقطع الاتصال. الوضع مزعج جدا، خصوصا عندما يتعلق الأمر بمرض مفاجئ أو أمر طارئ في العائلة. لا يمكننا حتى طلب المساعدة بسهولة.”
وتضيف:
“أحيانا أضع الهاتف فوق النافذة أو على رف عال وأنتظر أن يرن، أما الرسائل فلا تصل إلا بعد ساعات. في هذا الزمن، من العيب أن تبقى قرى بأكملها خارج التغطية، وكأننا لا ننتمي لهذا العصر.”
أما سعادة، شابة من قرية تيمحضيت بإقليم بولمان، فتروي تجربتها مع العمل عن بعد خلال عطلتها الصيفية:
“كنت أظن أنني سأستطيع متابعة عملي بسهولة من القرية، لكن الواقع كان مختلفاً تماماً. تحميل ملف بسيط يستغرق وقتاً طويلاً والاجتماعات عبر الفيديو تنقطع باستمرار، مما جعل التواصل مع الزملاء شبه مستحيل. أشعر بالعجز وكأنني خارج الزمن.”
وتختم: “العمل عن بعد حلم يصطدم بجدار العزلة الرقمية في القرى.”
خطر على الحياة… وتجاهل رسمي
متفاعلا مع الموضوع صرح محمد لأمين لبيض فاعل جمعوي من إقليم زاكورة لجريدة MCG24:
أن عددا كبيرا من المناطق القروية بالجهة تعاني من انعدام تام لشبكة الاتصال، خاصة خلال فصل الصيف الذي يعرف انتشار الأفاعي والعقارب السامة، مما يعرض حياة السكان للخطر في ظل غياب وسيلة تبليغ فورية.
كما أشار البيض في تصريحه مع MCG24 إلى حادثة سير وقعت مؤخرا على الطريق الرابطة بين زاكورة وجماعة البليدة (الطريق الإقليمية رقم 15.20)، حيث تعرض سائح أجنبي لحادث، ولم يتمكن السكان من إبلاغ السلطات بسبب غياب التغطية، مما اضطر أحد المواطنين إلى تسلق جبل مرتفع، ولم يتم التبليغ إلا بعد ثلاث ساعات من وقوع الحادث.
وأضاف الفاعل الجمعوي أن شكايات عديدة وجهت بشأن هذا الموضوع، وجرى التطرق إليه حتى خلال جلسة مع الوزيرة المنتدبة المكلفة بالانتقال الرقمي، دون أن يتم اتخاذ أي خطوة عملية لحل المشكل. وطالب بتعميم الشبكة على مستوى الإقليم، مع إشراك جميع الفاعلين في القطاع، من بينهم “إنوي”، “اتصالات المغرب”، و”أورنج”.
من جهته، أكد عبد الله مزار، فاعل جمعوي من إقليم فاس، في تصريح لجريدة MCG24، أن العزلة الرقمية ليست ظرفية، بل “واقع يومي تعيشه الأسر القروية، حيث لا يمكن إجراء مكالمة واحدة دون عناء كبير، وكأننا في زمن آخر”.
وأضاف مزار أن “السكان يلجؤون لوضع هواتفهم على النوافذ أو فوق الأسطح للحصول على إشارة ضعيفة، ويضطرون أحياناً إلى قطع مسافات طويلة للوصول إلى نقطة تغطية.”