
عبد الرحمان سورسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
أما بعد:
فهذه أحكام زكاة الفطر، ويقال لها أيضاً صدقة الفطر، وزكاة الأبدان، على مذهب إمامنا مالك –رحمه الله- وقد حاولت قدر المستطاع عدم ذكر الخلافات في المذهب، ليستفيد، الطالب والعامي، وشرعت هذه الزكاة تطهيرا للصائم من الخلل في صومه، لحديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: “زكاة الفطر طُهرة للصائم من اللغو والرفث..” رواه أبو داود. وقيل سميت زكاة فطر نسبة إلى الفِطرة، وهي الخلقة، لأنها متعلقة بالأبدان، وقيل لوجوبها بالفطر من الصوم.
والمقصود بإخراج زكاة الفطر: إغناء الفقراء عن سؤال الناس في يوم العيد، كما أنها سبب لقبول الصيام إن شاء الله تعالى .
المبحث الاول، تعريف زكاة الفطر:
أولا- تعريف زكاة الفطر، باعتبار مفرديه.
الزكاة لغة: النمو والزيادة يقال: زكا الزرع: إذا نما وزاد، وزكت النفقة: إذا بورك فيها، وقد تطلق بمعنى الطهارة، قال تعالى: {قد أفلح من زكاها} [الشمس: ] أي طهرها عن الأدناس، ومثله قوله سبحانه: {قد أفلح من تزكى} [الأعلى:] ، وتطلق أيضاً على المدح، قال تعالى: {فلا تزكوا أنفسكم} [النجم:]
والفطر لغة واصطلاحا : اسم مصدر من أفطر الصائم يفطِر إفطاراً، قطع صيامه بمفطّر، وهو مفطِر .
ثانيا – تعريف زكاة الفطر في الاصطلاح، إعطاء مسلم فقير لقوت يوم الفطر صاعا من غالب القوت أو جزأه، واسما صاع من الغالب القوت أو جزؤه يعطي مسلما فقير القوت يوم الفطر. (انظر شرح حدود ابن عرفة).
وأركانها أربعة: المخرج بكسر الراء، والمخرج بالفتح، والوقت المخرج فيه، والمدفوعة إليه.
المبحث الثاني، حكمها.
اتفق جمهور أهل العلم على وجوب زكاة الفطر، واختلفوا هل هي واجبة بالقرآن أو بالسنة، فقيل إنها فرض واجب بالقرآن داخلة في الزكاة التي قرنها الله بالصلاة في محكم التنزيل فقال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] ، وروي ذلك عن مالك. ودليله «أن النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين وأخذها منهم» فكان ذلك من قوله وفعله بيانا لمجمل قول الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103] ، وقد روي عن عمر بن عبد العزيز أنه قال في قَوْله تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: 14] {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15] أنها زكاة الفطر ثم الغدو إلى المصلى.
وقيل: إنها سنة واجبة فرضها رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أي أوجبها.
والخلاصة .أن زكاة الفطر واجبة على كل مسلم إذا فَضُل قوته عن حاجته وحاجة عياله يوم العيد وليلته، ويلزمه دفعها عن نفسه وعمن يعوله ممن تلزمه نفقته شرعا، ويستوي في ذلك ذكرهم وأنثاهم وكبيرهم وصغيرهم.
ودليل وجوب زكاة الفطر. الحديث الصحيح فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: “فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان على كل نفس من المسلمين” (رواه البخاري ومسلم).
وأما الحكمة من وجوب زكاة الفطر فتتجلى في عدة أمور، من أهمها.
1- أنها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم “طـُهرة للصائم من اللغو والرفث”، أي أنها تمحو ما قد يرتكبه المسلم في رمضان من منهيات شرعية في صيامه.
2- أنها “طـُعمة للمساكين” كما قال صلى الله عليه وسلم أيضا، فهي تغني الفقراء يوم العيد عن السؤال وتوسع عليهم في الرزق، ليكون العيد يوم فرح وسرور لجميع فئات المجتمع.
3- شكر المسلم لنعم الله تعالى الكثيرة عليه وعلى الصائمين، والتي منها نعمة بلوغ رمضان وإكمال صيامه.
وقتها ومقدارها
يجب إخراج زكاة الفطر من لحظة غروب الشمس في آخر يوم من رمضان وحتى خروج الناس إلى صلاة عيد الفطر صباح اليوم التالي، فإن تأخرت عن ذلك فهي صدقة من الصدقات العادية. ويجوز تقديم إخراجها قبل حلول العيد بيوم أو يومين.
وتـُخرج زكاة الفطر من قوت بلد مُخرِجها الذي يأكله الناس في الغالب،
ويجوز إخراج قيمة زكاة الفطر بدل الطعام إن كان ذلك أرفق بدافعها أو بالفقير المستفيد منها. ولا يجوز دفعها إلا للفقراء والمحتاجين. وجزى الله تعالى المجلس العلمي الأعلى عن المسلمين قاطبة وعن المغاربة على وجه الخصوص. حيث بين لهم حكم إخراج قيمة زكاة الفطر نقدا .
وبين كذالك الأصل فيها.
رأى المجلس العلمي الأعلى أن يكون مقدار زكاة الفطر بالنقود لهذا العام 1441ه الموافق2020م ) هو ثلاثة عشر (13) درهما، ولفت المجلس العلمي الأعلى في رأي نشره أن الأصل في الزكاة، أن تخرج كيلا من غالب قوت اهل البلد ومقدارها صاع نبوي وهو أربعة أمداد ويجوز إخراج قيمتها نقدا؛
وقد تم تحديد القيمة هذه السنة في مبلغ ثلاثة عشر درهما (13 درهم).
أقف عند هذا الحد .تقبل الله من المسلمين والمسلمات صيامهم وقيامهم وزكاتهم وصدقاتهم وسائر أعمالهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
يتبع..