
مجتمع
الدفاع عن الغش في الامتحانات… وأخطار المستقبل
محمد التهامي الحراق
كم شعرت برعب المستقبل، حين أصغيت إلى تلاميذ ممتحَنين في الباكالوريا، بل و”آباء وامهات”، يحتجون، بوجوه فاقدة لكل حياء وبجرأة عمياء مخيفة، وجهل فادح بمهمة التعليم وأهميته ومقاصده؛ يحتجون على الأساتذة لكونهم منعوا الممتحَنين من الغش في الامتحانات الجارية!!!!!….أيها السادة…إنها أم المهازل، وتقتضي وقفة مصيرية…إما أن نكون أو لا نكون!!!!!…هذا الانهيار في إدراك وظيفة التعليم في بناء الفرد والمجتمع وصناعة المستقبل…هو عنوان ذهاب جاهلي نحو الهاوية.
أسأل هؤلاء الآباء: هل يرضون أن يكون طبيب مستوصف حيهم هزيل التكوين فيكتب لهم أدوية قاتلة؟؟ هل يقبلون بمهندس لبيوتهم يقيمها على أسس هشة يمكن أن تنهار عليهم في أي وقت؟؟؟ هل يقبلون بمصلح سيارات جاهل بمهنته يكون سببا في حوادث مؤلمة قاتلة بسبب عدم إتقانه لصنعته؟؟؟ هل يقبلون بسياسي فاشل يمكن أن يغرق البلد في الويلات السياسية والأزمات الاقتصادية والحروب الأهلية والتناحرات الهوياتية بسبب جهله…؟؟؟ هل يقبلون بصاحب مطعم يسمم رواده حين يطعمهم بمأكولات فاقدة الصلاحية بسبب غشه؟؟؟ هل يقبلون بانهيار أمنهم اليومي على أموالهم واولادهم وممتلكاتهم وشيوع الفوضى والسرقة والظلم والتسيب بسبب غياب الحد الأدنى من العدل؟؟؟…..إذا كانوا لا يقبلون بكل هذا فعليهم أن يطالبوا بتعليم جيد ومنصف، ويشجعوا أبناءهم على تعليم متين وجيد وقوي ومنتج، وأن يسهموا، كل من موقعه، في حماية المنظومة التعليمية وإصلاحها وتطويرها لتحقيق تكافؤ الفرص بين كل المواطنين للحصول على تعليم عصري وناجع ومواكب عنوانه الجودة والإنتاجية، ومن ثم دعم كل المساعي الجادة للوصول إلى هذا القصد النبيل.
نعم، هناك مشاكل في الجسم التعليمي يعترف بها الجميع، وتبذل جهود لحلها…نعم يمكن أن ننتقذ عدم جدوائية بعض الحلول، وأن نبذل بقوة لتجاوز خلل المنظومة كل من موقعه..وأن نتدافع بقوة من أجل ذلك، لكن لا يمكن أن نعتبر الغش حقا!!!! ولا إغضاء الأساتذة عن الغشاشين فضيلة!!! ولا ضبط حالات الغش ظلما!!!….إنه قلب خطير للقيم، يهدد مستقبل وجودنا….وليس مسألة محصورة في ثنائية النجاح والرسوب في امتحان عابر…على المجتمع بحكمائه وعلمائه وسياسييه ومؤسساته أن يقفوا بروح وطنية ومصداقية إنسانية عند مفترق هذا التحول الخطير الذي وصل مرحلة مرضية متقدمة…لأن الأمر في طريقه لأن يخرج من الاستثناء إلى القاعدة….نعم ما زال ثمة ما يمكن إنقاذه، لكن يجب عدم التسويف أو التأجيل أو الإهمال…فقد تأتي لحظة، لا قدر الله، يكون فيها تغول وتوغل المرض قد تجاوز كل أمل في العلاج….حيث لن يفيد ندم، ولن تنقذ سباحة من غرق.
لست يائسا…ولست عدميا…ولكني أرفع صوتي مع أصوات الغيورين على مغرب يستحق الأحسن…لأن تاريخه وحضارته وأعلامه وإمكاناته المادية واللامادية تؤهله للأحسن….ولأن طاقاته في كل المجالات تبشر بذلك متى ما حاصر مثل هذه الانهيارات، وحال دون تحولها إلى أمر واقع يقضي على كل أمل في مستقبَل أفضل.