
الدخول المدرسي 2024 في المغرب: تحديات جديدة وجهود مستمرة لتحسين جودة التعليم
الطاهر بنشواف
شهد الدخول المدرسي 2024/2025 في المغرب اهتماماً واسعاً بسبب التحديات المستمرة والمستجدات التي تواجه النظام التعليمي، إذ يمكن تحليل الوضع الحالي بشكل أكثر تدقيقًا بالنظر إلى الأرقام والحقائق المتعلقة بأهم جوانب العملية التعليمية، بالإضافة إلى التحديات المستجدة والسياسات المتبعة لمواجهتها.
وفقاً لبيانات وزارة التربية الوطنية، بلغ عدد التلاميذ الملتحقين بمختلف الأسلاك التعليمية حوالي 8,5 مليون تلميذ، منهم 4,6 مليون في التعليم الابتدائي، و1,9 مليون في السلك الإعدادي، وحوالي 1,2 مليون في السلك الثانوي، وتمثل نسبة التلاميذ في التعليم الخصوصي حوالي 15% من العدد الإجمالي.
بالرغم من كون المغرب يمتلك حوالي 13,000 مؤسسة تعليمية، منها 7,000 مدرسة ابتدائية، و3,500 إعدادية، و2,500 ثانوية. ورغم بناء مدارس جديدة كل عام، إلا أن النمو الديمغرافي والانتقال نحو التعليم الإلزامي يضغطان على الموارد المتاحة، الشيء الذي يتجلى في الاكتظاظ في أقسام التعليم العمومي مؤثرا على مردودية التلقين لدى المدرسين باختلاف مستوياتهم. إذ بلغ عدد المدرسين حوالي 305,000 أستاذ وأستاذة، مع توظيف حوالي 24,000 أستاذ جديد في محاولة لتقليص النقص الحاصل، خصوصاً في المناطق القروية. وزارة التربية الوطنية ركزت بشكل خاص على تأهيل الأساتذة وتطوير مهاراتهم من خلال برامج تكوين مستمر.
تم تخصيص حوالي 77 مليار درهم لقطاع التعليم في ميزانية 2024، مع توجيه نسبة كبيرة منها لتأهيل البنية التحتية، وتوظيف وتكوين المدرسين، وتوفير المعدات الدراسية.
بالرغم من كل هاته المجهودات التي بذلت من الوزارة المعنية ما زال الاكتظاظ من أبرز المشاكل، حيث يتراوح عدد التلاميذ في بعض الفصول بين 40 و50 تلميذاً، خاصة في المدن الكبرى. مما يؤثر على جودة التعليم ويضعف من تفاعل التلاميذ مع المدرس.
رغم توظيف أساتذة جدد، لا تزال بعض المناطق، خاصة القروية، تعاني من نقص حاد في الأساتذة. هذا النقص يضطر بعض المدارس إلى العمل بنظام الفترتين أو الاستعانة بأساتذة غير مؤهلين كلياً. في سياق متصل كشفت إحصائيات رسمية لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة عن توجه كبير للإناث نحو العمل كمدرسات بالتعليم الابتدائي عكس ما تم تسجيله بسلكي التعليم الثانوي. وحسب تقرير منشور بموقع الوزارة، فقد تم تسجيل 85514 أستاذة بالتعليم الابتدائي العمومي مقابل 61374 أستاذا فقط، و31784 أستاذة في مقابل 38159 أستاذا بالسلك الاعدادي، ويقل العدد في التعليم الثانوي التأهيلي ليصل 37508 أساتذة مقابل 24288 أستاذة. وكشف التقرير ذاته أن أكثر من 63 في المئة من الأساتذة العاملين بالسلك الابتدائي يشتغلون بالعالم القروي، في مقابل 40 بالمئة بالإعدادي و27 بالمئة فقط بالثانوي التأهيلي.
أما بخصوص البنية العمرية للأساتذة فكشف التقرير أن حوالي 31% من العاملين بالتعليم بالابتدائي تتراوح أعمارهم ما بين 30 و39 سنة، تليهم الفئة العمرية بين (40 و49 سنة) بنسبة 29 %، وفئة أقل من 30 سنة بنسبة 21%، في حين تأتي الفئتين العمريتين (50- 55) وأكثر من 56 سنة في الصف الأخير بنسبة 9% لكل منهما. وعلى مستوى الإعدادي، تشكل فئة (30 -39 سنة) حوالي 35 % من مجموع العاملين في هذا السلك متبوعة بفئة أقل من 30 سنة بنسبة 27% ثم فئة (40- 49) بـ 20 في المائة، و9 في المائة لفئة (50-55)، و8 في المائة لفئة أكثر من 56 سنة. أما سلك الثانوي التأهيلي فأكدت معطيات التقرير أن 37 في المائة من العاملين في هذا السلك تتراوح أعمارهم ما بين 30 و39 سنة، بينما لا تتجاوز نسبة فئة (40- 49 سنة) 23%، و22 في المائة لفئة أقل من 30 سنة، وتشكل فئة (50- 55) نسبة 9 في المائة، و8 في المائة لفئة أكثر من 56 سنة، ما يؤكد نجاح وزارة التربية الوطنية في تشبيب بنيتها البشرية بشكل كبير.
التفاوت بين التعليم في القطاعين العام والخاص، وكذلك بين المناطق الحضرية والقروية في المغرب مازال معضلة تؤرق بال الآباء وأولياء أمور التلاميذ إذ يعكس تحديات هيكلية عميقة تؤثر على جودة التعليم وفرص التحصيل الدراسي. هذه الفوارق تنعكس في عدة جوانب رئيسية تشمل التجهيزات، الموارد المتاحة، وطرق التدريس. فيما يلي تحليل معمق لهذه الفوارق:
التجهيزات والبنية التحتية:
تعاني العديد من المدارس العمومية، خاصة في المناطق القروية، من نقص في التجهيزات الأساسية مثل المقاعد، الطاولات، والسبورات. بعض المؤسسات تفتقر إلى مرافق حيوية مثل دورات المياه الصالحة، المختبرات العلمية، والمكتبات، كما تعاني هاته المؤسسات بشكل خاص من ضعف البنية التحتية، بما في ذلك نقص الكهرباء والمياه الصالحة للشرب، ما يؤثر سلبًا على بيئة التعلم.
في حين يتميز التعليم الخاص بوجود تجهيزات أفضل بكثير، حيث تستثمر المؤسسات الخاصة في توفير بنية تحتية حديثة تشمل الفصول المجهزة بأحدث التقنيات التعليمية، مختبرات العلوم، قاعات الحاسوب، والمكتبات الغنية بالمراجع. هذا يسهم في خلق بيئة تعليمية محفزة وأكثر جاذبية للتلاميذ.
الموارد المتاحة:
تعرف المدارس العمومية محدودية في الموارد المالية، ما ينعكس على قدرة المؤسسات على توفير المواد التعليمية اللازمة مثل الكتب المدرسية، الأدوات العلمية، والوسائل التعليمية الحديثة. كما أن النقص في الدعم المالي يؤثر على الأنشطة اللاصفية التي تعد جزءًا أساسيًا من التجربة التعليمية الشاملة.
أما في المقابل، تتمتع المدارس الخاصة بموارد مالية أفضل تمكنها من توفير وسائل تعليمية متطورة، مثل اللوحات الإلكترونية والأجهزة اللوحية، مما يسهل إدماج التكنولوجيا في العملية التعليمية. الموارد المالية الأفضل تتيح أيضًا للمدارس الخاصة تنظيم مجموعة واسعة من الأنشطة اللاصفية التي تعزز التعلم الشامل.
طرق التدريس ومستوى التكوين:
يعيش قطاع التعليم العمومي تحديات فيما يخص تكوين الأساتذة وتطوير طرق التدريس. العديد من الأساتذة يفتقرون إلى التكوين المستمر والحديث في أساليب التدريس المبتكرة، مما يؤدي إلى الاعتماد على طرق تقليدية في التدريس، مثل التلقين والحفظ، بدلاً من تشجيع التفكير النقدي والإبداع.
المدارس الخاصة تميل إلى توظيف أساتذة لديهم مستوى تكوين عالٍ، وغالبًا ما يخضعون لتدريبات دورية حول أحدث طرق التدريس. يعتمد التعليم الخاص على مقاربات تعليمية حديثة، مثل التعلم النشط والتعلم عبر المشاريع، والتي تشجع التلاميذ على المشاركة الفعّالة في العملية التعليمية وتطوير مهاراتهم الفردية.
الفرق بين المناطق الحضرية والقروية:
المدن الكبرى مثل الرباط، الدار البيضاء، ومراكش، تتمتع بتركيز أعلى للمدارس المجهزة بشكل جيد، مع وفرة في الأساتذة المؤهلين والخدمات التعليمية الإضافية. الفصول الدراسية في هذه المناطق، حتى في التعليم العمومي، تكون غالبًا أفضل تجهيزًا مقارنةً بالمناطق القروية.
تعاني المناطق القروية من نقص حاد في البنية التحتية التعليمية، حيث تفتقر العديد من المدارس إلى الأساسيات مثل الطرق المعبدة للوصول إلى المدرسة، ما يعوق التحاق التلاميذ بانتظام. هناك أيضًا نقص في عدد الأساتذة، وغالبًا ما يضطر القائمون على التعليم في هذه المناطق إلى تدريس عدة مستويات في فصل واحد، مما ينعكس سلبًا على جودة التعليم.
تأثير التفاوت على التحصيل الدراسي:
الفوارق الكبيرة في التجهيزات والموارد وطرق التدريس تؤثر مباشرة على مستويات التحصيل الدراسي بين التلاميذ. عادةً ما يكون أداء التلاميذ في المدارس الخاصة وفي المناطق الحضرية أفضل مقارنةً بأقرانهم في التعليم العمومي والمناطق القروية، ما يزيد من الفجوة التعليمية.
التفاوت ينعكس أيضًا في معدلات النجاح في الامتحانات الوطنية ومعدلات الانتقال إلى التعليم العالي. التلاميذ في التعليم الخصوصي والحضري لديهم فرص أكبر للنجاح والالتحاق بالتخصصات المرموقة، بينما تظل الفرص محدودة للتلاميذ في المدارس العمومية والقروية.
الجهود المبذولة لتقليص التفاوت:
تسعى الحكومة المغربية إلى تقليص هذه الفوارق من خلال برامج تهدف إلى تحسين البنية التحتية في المدارس العمومية، وتوفير تكوين مستمر للأساتذة، وإدماج التكنولوجيا في التعليم العمومي. كما تقوم بتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتحسين جودة التعليم في المدارس العمومية، من خلال تمويل المشاريع التعليمية وتقديم الدعم اللوجستي حيث تشمل هاته البرامج تقديم منح دراسية للتلاميذ في المناطق القروية، توفير النقل المدرسي، والوجبات الغذائية، وذلك تحفيزا منها للتلاميذ من أجل الالتحاق بالمدارس وتقليل معدلات الهدر المدرسي.
نسبة الهدر المدرسي ما زالت مرتفعة، حيث يُقدّر أن حوالي 350,000 تلميذ يغادرون المدرسة قبل إتمام التعليم الثانوي لأسباب تتنوع بين الظروف الاقتصادية، وصعوبة الوصول إلى المدارس، والنقص في الدعم الاجتماعي والنفسي للتلاميذ بالرغم من جهود إصلاح المنظومة التعليمية من خلال تغيير المناهج وإدخال التكنولوجيا في التعليم، من خلال توفير اللوحات الإلكترونية والبرمجيات التعليمية للتلاميذ، بالإضافة إلى تكوين الأساتذة على استخدام هذه التقنيات في التدريس، إلا أن التنفيذ يواجه عقبات منها نقص الكفاءات، وضعف التكوين المستمر، وغياب المتابعة والتقييم الفعّال.
دون إغفال عمليات تأهيل البنية التحتية الجارية والمتمثلة في مشاريع تحسين وتوسيع المدارس القائمة وبناء مدارس جديدة، خصوصاً في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية. تم التركيز على توفير تجهيزات حديثة لتلبية احتياجات التعليم العصري.
الحكومة المغربية أطلقت كذلك مبادرات لتوظيف الأطر التعليمية لسد الخصاص، بالإضافة إلى برامج تكوين وتدريب لرفع كفاءات المدرسين الحاليين، مع التركيز على تكوينهم في مجالات التكنولوجيا والتعليم الرقمي مع توفير حوافز للأسر وتشجيعها على إرسال أبنائها إلى المدارس، بالإضافة إلى تحسين خدمات النقل المدرسي وتوفير الدعم الاجتماعي للتلاميذ، مثل الوجبات المدرسية واللوازم الدراسية المجانية.
الدخول المدرسي 2024 في المغرب يواجه العديد من التحديات التي تتطلب جهوداً مستمرة ومتضافرة من الحكومة، المجتمع المدني، والقطاع الخاص. التركيز يجب أن يكون على تحسين جودة التعليم، توفير الموارد اللازمة، وتقليل الفوارق بين مختلف مكونات المنظومة التعليمية لضمان تعليم ملائم وشامل لجميع التلاميذ.