ثقافة

صورة عميد الأدب المغربي الدكتور عباس الجراري في أعين شعراء الملحون- الحلقة السابعة

إعداد : الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي

بمناسبة الإطلالة البهية لشهر رمضان الكريم لعام 1446 الموافق لعام 2025 أهدي هذه السلسلة من الحلقات الرمضانية إلى روح عميد الأدب المغربي أستاذي الدكتور عباس الجراري أكرم الله مثواه بعنوان : ” الدكتور عباس الجراري على ألسنة شعراء الملحون “. فاللهم ارحمه واعف عنه يا كريم واكتبه عندك من المحسنين وارزقه الجنة دون حساب ،  وتظله تحت عرشك يوم لا ظل إلا ظلك  .. اللهم بجاه بركة هذا الشهر الفضيل , ارحم أمواتا ينتظرون منا الدعاء ، واغفر لهم ونور قبورهم واجعلها بردا وسلاما برحمتك يا أرحم الراحمين .

 

لقد كان لأستاذنا الدكتور عباس الجراري ـ رحمه الله ـ دور كبير في التغلب على كل الصعوبات التي واجهته من طرف بعض المثقفين في سنوات السبعين من القرن الماضي على حد ما أسلفنا سابقا . وهذا ما جعل أستاذنا يحظى بمكانة عالية ومتميزة خاصة في الأوساط  العلمية والجامعية باعتباره النموذج الأمثل للمثقف الحقيقي ، بكل ما تحمله الكلمة من أبعاد ودلالات إيجابية عميقة .
 
ونظرا لهذه الأهمية التي أولاها المرحوم الدكتور عباس الجراري لفن الملحون  لم يتوان شعراء هذا الفن الرفيع في تخصيص قصائد ملحونية ، عددوا من خلالها الصفات والأعمال والمنجزات التي قدمها رحمه الله خدمة لهذا التراث ، مسجلين في قصائدهم جهود الرجل في مجال الملحون ، معبرين عن مدى امتنانهم لكل ما قام به وهو يسخر اهتمامه لخدمة هذا الفن وتقريبه من المتلقين له .. ومن ثمة ، أحبوا أن يبرزوا مواقفهم ومشاعرهم وأحاسيسهم.. هدفهم تحقيق غايات أخلاقية أو سلوكية أو تعليمية .. فجاءت قصائدهم خلاصة للكثير من القيم الخلقية النبيلة التي كان يتمتع بها الدكتور عباس الجراري ، فربطوا بين أحاسيسهم وبين الخصال الحميدة اتجاه الأستاذ رحمه الله ، مستحضرين أهمية الرجل ومكانته المرموقة وإنسانيته النبيلة .. فعبروا عن ذلك في نصوصهم الشعرية ، كل واحد على قدر طبعه وإحساسه وسجيته .
  
ولو لم يكن الدكتور عباس الجراري على هذا المستوى الرفيع من الأخلاق النبيلة ، ما كان لشعراء الملحون أن يخصصوا له مجالا خاصا به ، يفرغون من خلاله كل الصفات الحميدة التي عرف بها رحمه الله .. فقد توافرت له  الشخصية القوية والهمة العالية والأخلاق الرفيعة ، فكان رحمه اللهمن القلائل الذين يدخلون في الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس .. شاءت الصدف أن يكون محلا للظلم ، ولم يترك عواطفه تسيطر عليه ، ولم يسمح للسانه أن يتفوه بكلمة شتم ، بل أعظم من ذلك ، عفا وسامح ، وكان حقا جميلا بكل ما في الجمال من سمو ، وكان حقا جميلا نبيلا بكل ما في النبل من طهر وصفاء وبهاء ” .
فقد نشأ الدكتور عباس الجراري على القيم الأصيلة التي برزت عنده في توجيهين كبيرين :
ـ اعتبار العروبة والعربية مقوما للهوية المغربية والحضارية ، واعتزازه بالتراث المغربي والعربي والإسلامي .
ـ إيمانه بالريادة الحضارية للدين الإسلامي والتوجه الإصلاحي .
 
من هذا المنطلق ، يحدد الأستاذ مصطفى الزباخ في كتابه : ” التربية على القيم الثقافية عند الدكتور عباس الجراري  ثلاثة مواقع قيمية كبرى توافرت لأستاذنا رحمه الله ، وهي:
  
ـ الموقع القيمي الوطني الذي يبرز في عنايته بقيم التراث الأدبي والثقافي والحضاري المغربي من خلال التعريف بعبقرية أعلامه وكنوز عطاءاته .
ـ الموقع القيمي العربي والإسلامي ، البارز في معالجته لقضايا الأمة العربية والإسلامية .
ـ الموقع القيمي الإنساني الذي أسهم فيه برؤيته الإسلامية في معالجة المشكلات والقضايا الإنسانية المعاصرة .
 
إجمالا ، يمكن القول بأن أستاذنا الدكتور عباس الجراري ، قد ترك لنا عدة رسائل تربوية ودينية ، تزكي دعوته إلى مواجهة الاختلال القيمي الذي أصبح يعيشه المجتمع ، جراء تشبعه بأفكار ومبادئ تجرد الفرد من إنسانيته ، وتهدد خصوصياته الثقافية والدينية والحضارية . وهذه الدعوة تقوم بالأساس على الاعتماد على ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ، باعتبارهما المصدر الوحيد لصلاح الأمة وحفظها من العبث والانحراف . وهذا الأمر مدعاة لصون حقوق الإنسان ونشر القيم الفاضلة من صدق وحرية وعدالة ومساواة ونبذ للتعصب الديني .. كما هو أيضا هدف لترسيخ القيم الدينية الداعية إلى الانفتاح على الآخر ، لأجل إرساء معالم قيم الاحترام المتبادل بين مختلف الديانات والثقافات . وبذلك يكون أستاذنا ـ رحمه الله ـ قد أكد على ريادة الدين الإسلامي وأسبقيته واحتضانه لأرقى القيم التي يعتبرها الغرب من مظاهر تقدمه .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

2 − 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض