ثقافة

الدكتور عباس الجراري شاعرا

إعداد : د. منير البصكري الفيلالي / أسفي

بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للشعر، أهدي هذه الكلمات إلى أستاذنا الجليل الدكتور عباس الجراري ، متمنيا له دوام الصحة والعافية وطول العمر.

حقا، هي مناسبة يغمرها الإكبار والإجلال، يتربع فيها الشعر على عرشه، وهي أيضا مناسبة اعتراف وتقدير للحديث عن إحدى المنارات الكبرى للثقافة المغربية، وقامة موسوعية عربية، وأحد أعلام مملكتنا الحبيبة، المشهود له بالتفوق والتأنق والنبوغ في مجالات الفكر والعلم والأدب والتدريس، وفي الثقافة بمفهومها الشامل العميق. سبر أغوار التراث المغربي والثقافة العربية الإسلامية، وأبرز خصوصيات التنوع الثقافي ومدى مساهمته في خلق التعايش والتعاون بين مختلف شرائح المجتمع المغربي.

إنك وأنت تجلس إلى الأستاذ الدكتور عباس الجراري، تشعر بمجموعة من الأحاسيس الإنسانية الفياضة والجديدة على النفس . فعندما يصوغ الجمل، فإنها تخرج سليمة رائعة لغويا وبلاغيا، تسمعها وتقرأها بأسلوب مقنن وقوي .. فهي سهلة الفهم، عميقة الفكر، عذبة المذاق، يتحدث إليك كأنه منهل عذب، تشعر بالصدق والعمق، يتحدث في قضايا أدبية وفكرية، يعالجها معالجة متأنية، نتيجة متابعة متعمقة ودقيقة لجذور وأبعاد تلك القضايا وخفاياها وخلفياتها، وكل تلك المعالجات مدعمة بالوثائق والشواهد الحية والملموسة، مما يكشف على أن أستاذنا ثابت الوجدان، راسخ الجذور، مطلع قوي يجمع بين الثقافات المعاصرة والقديمة، يجيد الحديث والكتابة في الأدب والشعر والتاريخ واللغات والأديان والتفسير والفقه والحديث والفلسفة والتصوف ..

فهلا عرفنا الدكتور عباس الجراري شاعرا ؟ هذا جانب لا يعرفه الكثيرون ممن يتتبعون الإنتاج الفكري والأدبي لعميد الأدب المغربي. فشعره على حد ما يقول الدكتور محمد احميدة،” أن المتصفح للموقع أستاذنا الإلكتروني، سيجد صفحة دونت فيها كتابات الأستاذ عباس الجراري التي ما تزال مخطوطة، ومن بينها ديوان ” مع حبي ورضاي ” ويضم الأشعار التي وجهها لأولاده. وعنوان آخر هو : ” أشواق ” ويضم رسائل الكاتب وأشعاره إلى زوجته، وإلى جانب هذه الأشعار، هناك قصائد ومقطعات أخرى .. تشكل بدورها ديوانا مستقلا، يتمثل في نصوص إخوانية، وأخرى ساجل من خلالها بعض أصدقائه.

وهذه الأشعار تمثل قدرا غير يسير من إنتاج الشاعر..” هكذا يقربنا الدكتور احميدة من العالم الشعري لأستاذنا الجليل الدكتور عباس الجراري.

ولعل إخراج ديوانه الشعري، كان بإلحاح وإيعاز من حرم أستاذنا حفظه الله، الأستاذة القديرة حميدة الصايغ الجراري بحكم اطلاعها على ما ينظمه أستاذنا من أشعار.

إن تاريخ كتابة الشعر عند الأستاذ الجراري ـ كما يقول الدكتور محمد احميدة ـ “يعود إلى فترة سابقة بكثير على تاريخ نشر قصيدته ” أصحيح مات حبي ” بل إن المجموع الشعري الذي بين أيدينا ، يتضمن بدوره ما كتب قبل 1962 .. وبتحديد أدق، فإن أقدم نص ضمن هذا المجموع هو قصيدة ” هجران ” التي كتبت في القاهرة بتاريخ : 19 أكتوبر 1960 وتمثل مع نصوص أخرى نماذج للرحلة المبكرة في الممارسة الشعرية، والجراري عهدئذ ما يزال طالبا في كلية الآداب بجامعة القاهرة لم يتجاوز عمره الثالثة والعشرين .. “.

وفعلا، حمل الأستاذ الدكتور عباس الجراري رسالة أدبية ضخمة عبر شعره. يجد المتلقي لهذا الشعر مكانته المتميزة، لأنه شعره قوي الكلمة والمعنى معا، تشعر أثناء القراءة أنه طوع شعره للصور والمعاني الشاعرية الإنسانية.

أيضا، نجد في شعر أستاذنا الجراري خصائص فنية، وقوة في الألفاظ والمعاني والأخيلة. كما يتضح من شعره، تأثير الثقافة الإسلامية، يتبين ذلك من خلال تعابيره وأفكاره، حيث يضع اللفظة موضعها ويعطي المعنى حقه من الفهم والإدراك.

لن نتحدث في هذه العجالة عن مفهوم الشعر عند الدكتور عباس الجراري، كما لن نتحدث عن مقاربته للشعر، وحسبنا أننا أردنا من هذه الالتفاتة أن نفتح بوابة لرجل كرس حياته وطاقات نشاطه العقلي لخدمة وطنه، رجل حكيم في رأيه وقوله، سديد في المشورة، ذو علم مكين وثقافة متنوعة شاملة ورصينة، صاحب مبادئ وقيم ومواقف، متواضع لدرجة كبيرة ، صادق مع الجميع، وطني كبير في وطنيته وإخلاصه.

إنني وأنا أكتب عن الدكتور عباس الجراري الشاعر، أشعر أنني أنهض بعبء كبير، وأنا أعلم ثقل المئونة فيه، كما أنني أشعر بالخجل وأنا أقف أمام شخصية كبيرة بكل ما تحمله الكلمة من معنى وإجلال.

فكل عام وأنت شاعر كبير، بشعر ينضح جمالا سطرا بسطر، شعر مضيء تبقى قصائده حاضرة ومخترقة لحدود المكان والزمان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تسعة عشر + 4 =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض