
الدكتور عباس الجراري ، شخصية موسوعية متعددة العطاءات -الحلقة 5
إعداد : د. منير البصكري الفيلالي
تعرفت إلى أستاذنا الجليل الدكتور عباس الجراري منذ فترة مبكرة وأنا تلميذ بالتعليم الثانوي ( ثانوية الحسن الثاني بأسفي ) بداية سبعينيات القرن الماضي ، حين تناول معنا أستاذ مادة الأدب والنصوص السيد أمزيان ـ أطال الله في عمره ـ نصا أدبيا من الشعر المغربي ، وحدثنا عن بعض الأدباء المغاربة الذين تناولوا هذا الأدب بدراسات قيمة ، ولفت نظرنا إلى عناية الدكتور الجراري رحمه الله بالأدب المغربي .. وكنا لأول مرة نسمع اسم عباس الجراري كأستاذ باحث يهتم بأدب المغاربة إلى جانب المرحوم سيدي عبد الله كنون من خلال كتابه ” النبوغ المغربي ” . وحين التحقت بكلية الآداب بالرباط ، جامعة محمد الخامس ، كان من ضمن الذين تشرفنا بالتتلمذ على يدهم تلك السنة الجامعية ، أستاذنا الدكتور عباس الجراري ، حيث لمسنا فيه أخلاقا عالية ورفيعة المستوى .. مثابرا دؤوبا لم يتخلف أبدا عن الحصص الدراسية ، يؤدي واجبه على أحسن ما يرام ، جعلنا نحب ونعشق الأدب المغربي ، سواء من خلال محاضراته القيمة المرتجلة والتي كان يلقيها علينا بلغة رصينة قريبة جدا إلى أفهامنا ، فكان التجاوب كبيرا ، كما كانت الاستفادة عظيمة .
إنك عندما تجلس إليه ، تشعر بمجموعة من الأحاسيس الإنسانية الفياضة والجديدة على النفس ، عندما يصوغ الجمل ، فإنها تخرج سليمة رائعة لغويا وبلاغيا ، تسمعها وتقرأها بأسلوب مقنن وقوي .. سهلة الفهم ، عميقة الفكر ، عذبة المذاق ، يتحدث إليك كأنه منهل عذب ، تشعر بالصدق والعمق ، يتحدث إلينا في قضايا أدبية وفكرية ، ويعالجها معالجة متأنية ، نتيجة متابعة متعمقة ودقيقة لجذور وأبعاد تلك القضايا وخفاياها وخلفياتها ،على حد ما فعل مع خطبة طارق بن زياد .. وكل تلك المعالجات مدعمة بالوثائق والشواهد الحية والملموسة ، مما يكشف على أن أستاذنا ثابت الوجدان ، راسخ الجذور ، مطلعا قويا يجمع بين الثقافات المعاصرة والقديمة ، يجيد الحديث والكتابة في الأدب والشعر والتاريخ واللغات والأديان والتفسير والفقه والحديث والفلسفة والتصوف ..
غني عن التعريف تكفي إشـــارة له بالجراري المجتبى في المحافل
هو العالم النحرير ، شيخ جماعة وأستاذ أجيال ، كريم الشمــائــــــل
مجلي مضامير الرهــان إذا أتت تسابق في الميدان خير القنابـــل
إمام خطيب ، مصقع ، ذو ذلاقة فليس له في عصرنا من مماثــــل
بليغ ، مبين يسحر اللب قولـــه وذو خطب تنسيك سحبان وائــــل
فلله منه العالم الفذ ، ذو الحجى فسل عنه ـ تستيقن ـ عويص النوازل
وسل عنه آي الذكر ، والسنة التي يبد بهــــا ادعــاء كـل مطــــــــــاول
وسل البحوث الجامعية ، والألى من أفـــواج أهل العلم فازوا بطائل
بتوجيه السليم نالوا مراتبــــــــا أجل من أن يحظى بها غير كامـــل
وفوق الذي أوردت .. فهو مؤرخ أديب ، ودكتور غـــزيـر المناهـــل
يتبع …