
نافذة على الصيد البحري في أسفي من خلال رجالاته – الحلقة 117
إعداد : د. منير البصكري الفيلالي / أسفي
منذ أن أوحى الله إلى نبيه “نوح” عليه السلام بصنع الفلك لتجري في البحر بأمره، خطت البشرية خطوات واسعة في مجال انتقال الإنسان من عالم السكون والثبات على الأرض، إلى عالم الحركة والتغيير عبر موجات مياه البحر.
ومنذ أقدم العصور، طاف الإنسان عبر البحار والأنهار، وتنقل بقواربه البسيطة المصنوعة من جذوع الأشجار أو المضمومة بلحاء الشجر وأوراقها، متطلعا في شوق إلى عالم غامض يحوطه السحر والجمال، عالم يموج بالأسرار في الليل والنهار. ومن هنا، تأتي رحلة “جلجامش” وغوصه في أعماق الخليج، بحثا عن زهرة الحياة التي تمنح الخلود للشباب، وتعيد الشيوخ شبابا يتباهون بنضارة الخد، بلا خوف من مرض أو جزع من موت.
لذلك، فإن امتداد البحر واتصاله بالأفق، جسدا العلاقة العاطفية الحميمة التي يعيشها الإنسان، مما يؤكد على أن هذا الإنسان قد أوجد علاقة وجدانية مع البحر.
وفي مدينة أسفي، ارتبطت الساكنة بالبحر ارتباطا مباشرا، ولعب البحر دورا مهما في تشكيل طابع الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، بحيث أصبح أساسيا في الحياة اليومية لسكان المدينة الذين استغلوا البحر في كثير من حاجياتهم اليومية، إذ أصبح السمك أساسا في وجباتهم الغذائية. ومعلوم أن لرجال البحر في أسفي ـ خاصة إبان الحماية ـ تاريخا مليئا بالأمجاد النضالية، وذلك منذ 1940، حيث وقفوا وقفة رجل واحد ضد المستعمر الفرنسي الذي أراد أن يفرض هيمنته المطلقة على ميناء أسفي وعلى حرفة البحر وصيادي السمك .. ومن خلال تواطؤ باشا المدينة آنذاك الحاج الطاهر المقري مع الفرنسيين، تم تعيين صهره كأمين على المرسى، وهو شخص لا علاقة له بالبحر، مما دفع ببحارة أسفي إلى الاحتجاج الذي لم ينته إلا بعد مجيء المقيم العام الفرنسي إلى أسفي، فكانت فرصة مناسبة اغتنمها البحارة لرفع ملتمس قدمه المرحوم البشير النظيفي بغية تعيين أمين جديد له دراية تامة بمهنة البحر ومشاكلها ، فتم تعيين الرايس سعيد.
ومن مظاهر الحركة النضالية لبحارة أسفي، تأسيسهم فريقا لكرة القدم خاص بهم، أطلقوا عليه “أمل أسفي للبحارة” كان منضويا تحت لواء العصبة الوطنية، وكان الهدف الأساس هو اللقاء مع بعض عناصر المقاومة في المدن المغربية الأخرى، لمعرفة ما جد في مجال النضال الوطني ضد المستعمر الفرنسي وتأكيد وفائهم وإخلاصهم للملك محمد الخامس رحمه الله. نذكر من هؤلاء: عبد السلام بلفارسي وسعيد البوشتاوي وغبراهيم الحلاوي وامحمد البركة وادريس الشطبي والرايس العبدي والطاهر الرتناني ومحمد بن علال وعلي بنصنايكي وولد الدحانية، وفي الآن نفسه كان هؤلاء هم العقل المدبر لشؤون الميناء ورجالاته.
وعلى الرغم من محاولة سيطرة المستعمر الفرنسي، إلا أن مهنة البحر في أسفي، عرفت تشبث وتمسك أهل هذه المدينة بها، حيث أولوها أهمية كبيرة في حياتهم، فكان منهم رجال أبانوا عن علو كعبهم في الرفع من وتيرة العمل بالميناء، نقتصر في هذا النطاق على ذكر بعض الأسماء التي كان لها وزن في مجال الصيد البحري بأسفي.
يتبع …