آراء ودراساتسلايدر

القرآن الكريم والتربية في فكر العلامة فريد الأنصاري رحمه الله

إعداد: محمد بن الطاهر المودن
باحث في العقيدة والفكر الإسلامي

مقدمة
ارتبط شهر رمضان بالقرآن الكريم كما ارتبط صيامه بالتربية على الصبر وضبط النفس والتحكم في شهواتها، استحضارا لهذا الأمر نقدم للقارئ الكريم قراءة في فكر علم من أعلام التربية القرآنية في المغرب وهرم من أهرامها، وقد رصدت حضور القرآن الكريم والتربية في فكر العلامة فريد الأنصاري ـ رحمه الله ـ في ثلاثة مستويات:
مستوى تجديد القراءة له،
ومستوى التدبر والتفكر،
ومستوى الإيمان والعمل.

المستوى الأول: تجديد القراءة
فتجديد القراءة للدين عند الأنصاري تعني بعثه في النفوس من جديد كما بعث النبي صلى الله عليه وسلم بشيرا ونذيرا للعالمين، ” ذلك أن تجديد الدين يعني بعثة جدية، وإنما بعث محمد صلى الله عليه وسلم بالقرآن الكريم بشيرا ونذيرا للعالمين، فكان كتاب الله بين يديه هو متن الرسالة التي كلف بتبليغها إلى الناس، ومن هنا فإنما كان تعامله مع القرآن من حيث هو رسالة بالدرجة الأولى، يحمل هداية إلى العالمين، وبذلك محمد صلى الله عليه وسلم ــ رسولا ــ على سبيل التكليف، فقال له الله عز وجل: ” يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس والله لا يهدي القوم الكافرين ” ، وقوله تعالى: ” محمد رسول الله ” ، وقوله عز وجل: ” قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا إلا بلاغا من الله ورسالاته ” ، هذا هو جوهر الوظيفة المحمدية، وهذه هي الطبيعية الأصيلة للقرآن الكريم ــ الرسالية ــ .
بل أكد على أن الرسالة القرآنية يجب أن تصل إلى الناس بمفاهيم القرآن في العقيدة والعبادة والسلوك، كما يجب أن يتصف بأخلاق القرآن كل من وهب نفسه للدعوة، وأن يكون في مستوى البلاغ القرآني لا ينطق إلا بهدي القرآن، ولا يتحرك إلا بنوره، حيث يقول:
إن الدعوة القرآنية: أن تنزل إلى الناس بمفاهيم القرآن في العقيدة والعبادة والسلوك، تبشر وتنذر به، تاليا له مستشهدا به، فهو حجة الله على عباده، فحينئذ يكون القرآن متحركا من خلالك، فيراه الناس فيك كما يسمعونه منك، سلوكا ومواقف، وتلك إذن ” تلاوته حق تلاوته ” ، ويجد مستندا له في قوله تعالى: ” الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يومنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون ” ، كما يجده في قول السيدة عائشة رضي الله عنها عند ما سئلت عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ” كان خلقه القرآن ” .
كما أكد على أن الناس في حاجة شديدة إلى القرآن ينزل عليهم مرة أخرى أفرادا وجماعات يصحبهم في كل شؤون حياتهم عبر دعاة تحققوا به هم في أنفسهم قبل ان يدعوا غيرهم إليه، ” إن الناس في حاجة شديدة إلى القرآن الكريم ينزل عليهم مرة أخرى من جديد عبر ــ بعثة ــ تحيي فيهم كل موات، ينزل إليهم عبر دعاة إلى الله، الدعاة الربانيين، المتفاعلين به، المستمدين لنوره، والمتكلمين بمفاهيمه، ينزل عليه سورة سورة وآية آية، يتنزل على نوازلهم وقضاياهم وسائر شؤونهم النفسية والاجتماعية، يتحرك فيه الدعاة على أنه ” رسالة الله ” إليكم أيها الناس، فردا فردا واسرة اسرة، ومؤسسة مؤسسة .. يجب أن يكون هو حديثهم الذين لا يسأمون منه، وانشغالهم الذي لا يفترون عنه ” .

المستوى الثاني: التدبر والتفكر
أما على مستوى التدبر والتفكر فهر يركز على معرفة القرآن، هل الأمة تعرف القرآن بمعنى التدبر، فمن عرف القرآن بهذا المعنى عرف الله ومن عرف الله وصل إلى غاية الرسالة فيقول: ” إن أغلب الناس اليوم لا يعرفون القرآن، نعم هو هذا المصحف في كل مكان، ولكن قلّ من يعرف هذا القرآن، ومن هنا وجب على الدعاة أن يقوموا بالتعريف به، فمن عرف القرآن عرف الله، ومن عرف الله فقد وصل إلى غاية الرسالة، ومعرفة الله هي القضية الوجودية الكبرى، وهي أساس مشكلة المسلمين اليوم، ” أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ” ، وقلب مغلق مقفل لا يرى من العالم شيئا سيبقى في حدود أشيائه، تافه الشعور والإحساس حتى يموت، كما تموت البهائم، لا يدري من حقائق وجوده شيئا ” .

المستوى الثالث: الإيمان والعمل
الإيمان والعمل يرتبط بعضهما ببعض ارتباطا لا ينفك في نصوص القرآن والحديث، فحيث ما وجد الإيمان يقترن بجانبه العمل، بل إن العلماء قعدوا لهذا الأمر قاعدة كل علم ليس تحته عمل فهو باطل حيث يقول: ” فلا قيمة للإيمان إن لم يترجم إلى الواقع العملي في صورة الإسلام، كما أنه لا قيمة للإسلام إن لم يبين على أصل الإيمان، ولكم محاكمة إيمان الأفراد متعذر، لأننا أمرنا أن نحكم بالظاهر، والله يتولى الباطن، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى إنما تكون محاكمة إيمان الإنسان تبعا لعمله، وليس العكس، والعمل هنا هو الإسلام كما ترى، أعني الأركان الخمس” .
كما يجعل من الصلاة ركنا أساسا يبنى عليه المجتمع المتدين، ومن خلالها تحصل النهضة، ألا ترى أنه يقول: ” فنعود إذن إلى أساسنا الذي هو عصمتنا، وهو الإسلام، أي العمل بالأركان الخمس بالقصد الأول، وقد قلت: إن العمل بها قائم على ركنية الصلاة أساسا، وذلك للنصوص القرآنية والحديثة، السالفة الذكر وأمثالها، وهي كثيرة جدا، ولكون الصلاة هي الشعار العملي الأعلى والأظهر، الممثل لشخصية الإسلام في النفس والمجتمع ” ، ويقول في موضع آخر بعد ما أكد على ضرورة تعبيد الناس لله عز وجل وغرس مبدئه في نفوسهم ووجدانهم من خلال الصلاة التي هي العبادة الكلية الشاملة في الدين، بل هي أساس الدين فيقول: ” وهناك فقط يمكنك ايها الداعي إلى الخير يمكنك أن تدعوا إلى أي مشروع آخر، يرتقي بالمجتمع في مراتب التعبد والتدين، من أمور سياسية واقتصادية أو اجتماعية مما هو معلوم .. أنه لا يمكن أن يتم إلا على أرضية اجتماعية متدينة، فسواء تأخر هذا أو زامن العمل للتدين الاجتماعي وواكبه، فالمهم حصوله ابتداء والبناء عليه قبل كل شيء .

خاتمة
فكر الأنصاري جدير بالوقوف في محرابه نرتل ما كان ينشده من هدي واستقامة للأفراد والمجتمع وفق نهج هادف، يبتغي الرشد للإنسانية، إذ يدعوها لما فيه صلاحها واستقامتها بتجديد القراءة للقرآن الكريم والتفكر فيه والعمل بمقتضى الإيمان به.

المراجع
1 سورة المائدة: الآية 67.
2 سورة الفتح: الآية 29.
3 سورة الجن: الآية 22 و 23.
4 البيان الدعوي: ص 187.
5 البيان الدعوي: ص 188.
6 سورة البقرة: الآية 121.
7 رواه مسلم.
8  اللبيان الدعوي: ص 189.
9  سورة محمد: الآية 24.
10  البيان الدعوي: ص 189.
11  البيان الدعوي: ص 108.
12  البيان الدعوي: ص 109.
13  البيان الدعوي: ص 111 بتصرف يسير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة × 5 =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض