
عبد اللطيف أفلا
حطت عشرات من السنين العجاف رحالها بواحة درعة الأمازيغية بيباسها وقحطها لما يقرب من 40 عاما، فشُحت ينابيع المياه العذبة، وتراجعت المساحات المزروعة وكثير من الأنشطة الفلاحية، بدءا بالتخلي عن تربية الماعز والدواجن، في زمن اندثرت فيه العديد من أنواع الطيور، والنحل والأرانب البرية، وهلكت أشجار الفواكه، إلا قليلا من نخيل التمور التي واجهت الجفاف، دون أن تبرح الحياة، حتى جاءها الماء بأمل البقاء
ولأن رحمة الله واسعة “لا تقنطوا من رحمة الله” فقد شكل هذا العام عودة لماضي الواحة، بخير الأمطار التي أعادت إلى أهالي دواوير أكذز الأمل بغدير وادي “إيبودان” والعيون والسواقي.
اتصلت جريدتنا الالكترونية بالسي عبد الله أحد الساكنة بدوار “تالوين”، فعبر لنا عن بشارة أمطار شهر رمضان، وكذلك الأمطار الأخيرة خلال الأسبوع الماضي من شهر فبراير شوال:
“الحمد الله على نعمة الماء، السعادة تغمر كل ساكنة الدوار، نساءا ورجالا، صغارا وشيوخا وعجزة، وكذلك غمرت جميع أبناء هاته الدواوير الذين يشتغلون في المدن، وخارج الوطن، والذين يتفاخرون هذه الأيام بتبادل صور الوادي والحقول والعيون فيما بينهم وبين معارفهم وأصدقائهم على مواقع التواصل الاجتماعي، كما انهم يتفاخرون بوضعها على حائط حساباتهم على الواتساب والفايس بوك.. وانا بدوري لا تسعني الفرحة وأنا أزاول نشاطي في الحقول تحت الأمطار، وبين خضرة الحشائش والأغصان، وأشجار النخيل، وما يُعجب ويُفرح هو نقيق الضفادع التي ظهرت لأول مرة بعد اختفائها نهائيا من على ضفاف وادي “إيبودان” وعودتها هذه الأيام بشكل غريب سبحان الله، يؤكد وبقدرة الله سبحانه ورحمته الواسعة أن واحدة درعة عادت لحياتها الأولى، لذلك فإن كثيرا من المزارعين أصبح بإمكانهم وبعد هذه الأمطار الأخيرة استعادة اهتمامهم بالحقول، والاشتغال على المزروعات القديمة التي عطلها الجفاف، كالحناء والنعناع، والفصة والعديد من الخضروات، وهو ما سيغني الكثير من الأهالي عن تسوقها بالسوق الأسبوعي ليوم الخميس بقرية أكذز” زكورة.
تحدثنا كذلك إلى السيدة زهرة بنفس الدوار وتحديدا التجمع السكني “أكديم” على قمة مرتفع الدوار الأطلس الصغير، فأخبرتنا بالتالي:
” الكل فرح مستبشر بأمطار الخير التي لاتزال تهطل، فأصبح الذهاب إلى الحقول لجني المحصولات الزراعية اليومية ممتع أكثر، ومريح، لأنه وكأننا عدنا لسالف عهد الواحة، حيث العيون والاعشاب والحشائش والعصافير، والمياه، وهو ما يبشر بالعودة قريبا لإحضار الحطب من الخلاء كما اعتدنا في زمن بعيد..”
أخبرنا السي محمد واحد من أبناء المنطقة، ويشتغل حاليا بمدينة الدار البيضاء، أن واحة درعة، كانت قبلة سياحية مميزة، محبوبة لدى كل من تعرف عليها، وكان أقرانه من مواليد السبعينات يصطحبون معهم زملاءهم في الصف الدراسي إلى قرية أكذز في إحدى العطل المدرسية خاصة العطلة الصيفية، للاستمتاع بالسباحة في الوادي، واصطياد الأسماك، والتجوال في الحقول، وتسلق واستكشاف “جبل كيسان”، والتنصت لعواء الذئاب التي كانت تتجول في جوف الليل بمحاذاة المنازل الطينية في زمن الأمطار والحيوانات البرية في السبعينات وأوائل الثمانينات.
“أنا صراحة أتشوق لقدوم أي عطلة وطنية او دينية للذهاب مع أسرتي إلى الدوار، ينتابني شغف عميق وأنا أطالع صور المناظر الطبيعية الأخيرة لبلدتي التي أحياها الله برحمته الواسعة، في الوقت الذي فقدنا فيه الأمل بابتلاء الجفاف الذي قضى على تربية المواشي والزراعة، ودفع الشباب إلى الهجرة إلى المدن، ولولا سد المنصور الذهبي الذي كان مرة مرة يطلق المياه لما بقي أثر للمنطقة نهائيا..”
ها هي اليوم واحة درعة تنبعث بعد موتها، فسبحان الذي يحيي العظام وهي رميم