ثقافة

جميل أن نزين واجهات عمارات الحي، لكن…

الرباط، mcg24

إدريس بلحسن

كم هو جميل أن ننشر الفنون والأجمل أن نقربها من المواطنين في الأحياء الشعبية، ونبعث فيهم روح التفاؤل وتذوق المعاني من لوحات حائطية رسمها فنانون موهوبون ابدعوا ليبلغوا رسالاتهم الفنية.
لكن لست أدري لماذا كلما مررت بواجهة عمارة بحي النهضة بالرباط إلا واشمأزت نفسي واختنقت روحي وأنا أنظر مرغما للوحة عملاقة رسمها فنان لا أشك في موهبته.
فبعد أن تكون شاهدت لوحات حائطية جميلة وزاهية تزين حائط ملعب الأمير مولاي الحسن، حتى تقابلك لوحة بألوان غامقة تظهر إمرأة كئيبة على طاولة الطعام، وامامها صحن فارغ وهي تنظر إليه نظرة تعبر عن بؤسها وتصور مدى الحرمان الذي تعيشه.
اللوحة تغطي حائط عمارة من ثلاث طوابق، ونستنتج من خلالها المجهود الجبار الذي قام به الفنان لإنجاز لوحته. وقد تابعت إنجاز كل اللوحات وكنت أستمتع بمشاهدة الفنانين وهم يبدعون في تنافس جميل.
لكن ما أن تُنزٍل عينك عن اللوحة، حتى يتضح لك أن جيران اللوحة هم مسنون في دار الرعاية الإجتماعية، رجال ونساء في أرذل العمر. تراهم يخطون خطوات ثقيلة أو يجلسون في حديقة جميلة توفر كافة ظروف الراحة والاستمتاع بالخضرة والمنظر الجميل.
أتخيل نفسي مكانهم، في هذه المؤسسة التي تقدم الرعاية والعيش الكريم وتملأ حياتهم بأنشطة تنعش أرواحهم وتحترم كرامتهم، لكن ماذا سيكون شعوري وأنا أستيقظ، أصبح وأمسي على لوحة عملاقة تنشر الكآبة في النفس؟
انا لا أقلل من القيمة الفنية للوحة بل أقدر عاليا الفنان الذي رسمها والهيئة التي أشرفت على إنجاز المشروع الممتد على طول الشطر الأول من الشارع الكبير. وشخصيا كلما أتيحت لي الفرصة إلا وخرجت ماشيا على طول الشارع متأملا اللوحات.
وهنا، لابد من إبداء ملاحظة لمسؤولي المدينة: حبذا لو تم تجهيز الشارع بكراسي مقابلة للوحات حائط الملعب ليتمكن السكان والزوار من تذوق واستكشاف العناصر الجمالية التي تبعثها هذه اللوحات.
لكن بخصوص اللوحة موضوع الصورة، وجب مراعاة الحالة النفسية لجيرانها الذين يعيشون داخل المؤسسة بعيدا عن عائلاتهم، وكلما خرجوا للترويح عن أنفسهم في الحديقة، إلا وقابلتهم صورة المرأة والكآبة تغطي ملامحها وربما تفتح جروحا داخلية قد تزيد من معاناتهم وربما تتسبب في عزلتهم وعدم اندماجهم في محيطهم.
بالقرب من مؤسسة الرعاية الإجتماعية للمسنين، يوجد معهد التكنولوجيا تطل عليه اللوحة وكأنها تبعث رسائل للشباب الذي يدرس في المعهد. وربما الطلبة مشغولون بدراستهم، لكن ما أن يخرجوا للساحة حتي تقع أعينهم على صورة المرأة الكئيبة. نفس الحالة النفسية يعيشها السكان المجاورون للوحة. إذ كلما فتحوا نوافذ بيوتهم أو هموا بالخروج لأعمالهم، تودعهم اللوحة الحائطية لتستقبلهم عند عودتهم. وقد أخبرني أحد السكان أنه يضطر لخفض بصره كلما اقترب منها ليتجنب تلك النظرة الحزينة التي تبعث على الإشمئزاز والمعاتبة، وأضاف مازحا “تمنيت لو أستطيع ملأ صحنها بما لذ وطاب لتبتسم وبالتالي نتخلص من بؤسها الذي أثر فينا وفي أبنائنا”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تسعة + تسعة =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض