
من سفح الجبل إلى أحد أعمدة المخزن الروحي
هو أحمد التوفيق الذي قضى طفولته في سفح الجبل بمنطقة مريغة، قرب أسني، البعيدة عن مراكش بكيلومترات والمطلة على مسجد تنمل من الجهة الأخرى.
هناك قضى التوفيق طفولة عادية كباقي أقرانه بهذه المنطقة المهمشة وسط أهله الطيبين. لم يكن يرى سوى الجبال المحيطة بقريته الصغيرة التي يصفها في إحدى رواياته ب”الزلافة” لشكلها الدائري الذي يشبه آنية “الزلافة”.
بعد طفولة بين الجبال، كان عنقه يشرئب لأعلى، انتقل إلى مراكش حيث تخرج من مدرسة المعلمبن رفقة أصدقاء طفولته المرحوم صدقي أزايكو وعبد الغني أبو العزم. هذه الرفقة الطيبة ستقودعم إلى الرباط لمزيد من التحصيل العلمي حتى حصوله على درجة الدكتوراه في التاريخ.
هو التاريخ الذي سمح للتوفيق بولوج عالم الأدب من أبوابه الواسعة ليبدع روايات نذكر منها “جارات أبي موسى”، “غريبة الحسين”، “شجيرة، حناء وقمر” و”جيران أبي العباس” وكتب حول تاريخ المغرب تعتبر بحق مراجع عالمية.
بعد سنوات من التدريس بالجامعة، كون مع المرحوم محمد حجي ومحمد المومني وآخرين موسوعة معلمة المغرب، بعدها تقلد التوفيق مهام إدارة الخزانة الوطنية للمملكة المغربية كمحافظ، و كانت فرصة عظيمة له كقارئ وباحث ليعمق أبحاثه حول التاريخ عموما وتاريخ المغرب بكل تجلياته، وكان الوحيد من الذين تعاقبوا على الخزانة الوطنية الذي كان شديد الاطلاع على كافة محتويات المكتبة وكان قارئا نهما وبكل اللغات، إذ بالإضافة للغته الأم الأمازيغية والعربية، فهو يتقن ويكتب اللغات الفرنسية والإنجليزية ويحاضر بها في أهم الجامعات الدولية.
في نونبر 2002، سيتم تعيينه وزيرا للأوقاف والشؤون الإسلامية في حكومة إدريس جطو.
ويروي كيف تم تعيينه تلك السنة قائلا أنه كان يستمع للخطاب الملكي بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء عبر مذياع سيارته، ليتلقى مكالمة هاتفية من الوزير الأول إدريس جطو يخبره فيها أنه تم تعيينه وزيرا للأوقاف والشؤون الإسلامية.
أحمد التوفيق نشأ وترعرع في بيت أسرة حاملة لكتاب الله وشديدة التشبث بالدين، وحرية على إقامة شرائعه. وهو ما سهل عليه مأمورية تدبير وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. إذ منذ اللحظة الأولى التي وطئت رجله مكتب الوزارة أخذ على عاتقه مهمة إحياء التدين على الطريقة المغربية كما ورثها الآباء عن الأجداد منذ قرون.
لكن الأحداث الأليمة ل16 ماي 2003 زعزعت استقرار المغرب وسرعت بتبني خطط فعالة لزرع الأمن الروحي في قلوب المغاربة، وستجعله يتبوأ مكانة رفيعة بالقصر الملكي ليصبح منظر الشأن الديني بالمغرب ويشرع في وضع مخطط شامل للإصلاح بخلق ثورة هادئة في المجال الديني لازالت مستمرة إلى يومنا.
يقول عنه من يشتغل معه أنه رجل لا يمل ولا يكل من العمل ويتابع قضايا الشأن الديني بالمملكة بقوة وتدقيق شديد، إذ قلما يغادر مكتبه بالمشور السعيد إلا مع قرب موعد صلاة العشاء، وهو الذي يحضر يوميا وطيلة أيام الأسبوع (بما فيها الأحد) قبل الموظفين والمسؤولين.
يبقى أن تثبيث أحمد التوفيق وزيرا للأوقاف والشؤون الإسلامية من طرف أمير المؤمنين في حكومة عزيز أخنوش هو رهان على كفاءة الرجل وثقة كبيرة في أن لازال لديه ما يقدمه في مجال الشأن الديني بالمغرب وهو الخبير الذي راكم تجارب وحارب تيارات فكرية متطرفة جعلته يتبوأ أعلى المراتب في القصر الملكي باعتباره المسؤول عن الأمن الروحي والمدافع الشرس عن توابث الأمة.
واليوم، السيد أحمد التوفيق وبالنظر لما ننتظره من تفعيل إجراءات الإصلاح، هو مطالب أكثر من أي وقت مضى بخلق وتكوين فريق عمل جديد يواكب أفكاره وينفذ خططه لما فيه خير البلاد والعباد وإحالة عدد ممن كانوا سببا في عرقلة تنزيل مخططه في تأهيل الشأن الديني، على التقاعد حتى يريحوا ويستريحوا.