
الإفتاء / الفتوى والتاريخ : قضية المرجع الديني في النقاش حول التنمية في بلاد الإسلام
الجزء الأول – تتمة
بقلم الأستاذ محمد أكعبور
باحث في الخطاب والإعلام الديني
– من محاسن الصدف/ الموافقة حول موضوع الكتب : الإفتاء / الفتوى والتاريخ : قضية المرجع الديني في النقاش حول التنمية في بلاد الإسلام.
أن صاحبه كتبه وأنهاه في 1992 وهو لم يتحمل مسؤولية الفاعل الديني الرسمي المفوض له تدبير القطاع – وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية- ولذلك ، فهذا التقريب لعمل الباحث ليس من زاوية الفاعل في الحقل الديني وقد يحضر ذلك عرضا مما يتحتم علينا الإشارة إليه مما يقتضيه المقام العلمي .
أنه قدم في الموضوع درسا افتتاحيا نموذجيا يوم 23 أكتوبر 2019 بموضوع: الإفتاء والتاريخ، وذلك بجامعة الحسن الثاني كلية العلوم القانونية والاقتصادية عين الشق الدار البيضاء .
أنه في نفس السنة ، قدم في الباب درسا حسنيا افتتاحيا بين يدي أمير المؤمنين محمد السادس نصره الله كان موضوعه : ” استثمار قيم الدين في نموذج التنمية ” وفي هذه اللحظة طبعا لم يكن الكتاب بين يدي الباحث وقصة الكتب مرت معنا وكذلك حدث. والرجل في انشغال عن إعداد الدرس الحسني ، وفي ذلكم نستأنس بكلام الباحث وهو عنوان الشق الثاني من قصة الكتاب ( وأمر آخر من قبيل الصدفة أو الموافقة، وهو أنني في الوقت الذي وافاني فيه الأستاذ عمر أفا بالنسخة المنسية كنت منهمكا في تحضير الدرس الحسني لرمضان هذا العام – يقصد 2019- في موضوع : ” استثمار قيم الدين في نموذج التنمية”. ولم ألتفت إلى العنوان الفرعي للبحث ولا قرأت مادته، وبعد الدرس الحسني التفتت إلى النص ووجدته في نفس الإشكال الذي تناولته في الدرس، وإشارات كان بالإمكان الاستئناس بها )
ما يعني أن الباحث كان له هم تنموي من منظور ديني في سالف العهد بالخطاب الديني؛ الخطاب المنبري فيما نحن بصدده، الشيء الذي سيجعله يشتغل على الخطاب الديني العالي _ الفتوى _ فوصل بعلمه وعمله إلى تلكم التقسيمات الإجرائية أعلاه والتي تجعل الفتوى تنتسب للتاريخ، والنتيجة؛ الحديث عن العلاقة الممكنة بينها وبينه ومنها خطبة الجمعة باعتبارها “فتوى باحثة عن التاريخ ” كما صنفها الأستاذ أحمد التوفيق.
ثالثا : عمل الباحث لتقريب تحركات خطباء / خطبة الجمعة : افتحاص في إفصاح
قدم لدراسة المتنين / زمنيين – موضوع المختبر النقدي والقراءة التي نحاول من خلالها الاقتراب من الموضوع بما وكيف تيسر – بكلام عميق يصلح لكل فقرة من فقراته أن تعنون بعنوان فلا تأباه.
ومن ضمن ما تضمنه هذا الكلام / المقدمة :
1 – وصف الخطباء : بأنهم (مفتون بالمعنى الواسع الذي حددناه ، وهو إعطاء الرأي استنادا إلى المراجع النصية المعتمدة في شأن من شؤون الدنيا والحياة )
2 – الظروف المحيطة بفتوى المنبر: ( إن فتاوى هؤلاء الخطباء مرتبطة بركن أصيل في الدين وهو صلاة الجمعة، أي أن دورية تلك الفتوى أسبوعية ،يحضرها ملايين المؤمنين ،ليسوا كلهم ملزمين بالتجاوب مع كل ما تتضمنه خطبة الخطيب ،ولكن الخطبة تلقى بمحضرهم ،وهم مطالبون بالإنصات للخطيب ماجورين على ذلك ، تشملهم هيبة المكان وتغمر مشاعرهم حالة الإقبال التي تتطلبها اللحظة كان على رؤوسهم الطير ،يخافون تحت طائلة بطلان الفرض الديني أن يصدر منهم التشويش الذي يؤدي إلى ذلك – وهو بطلان الفرض – ولم يعرفوا إلا في حالات ناذرة شاذة في التاريخ قيام معترض على الخطيب يثير فتنة لا تناسب المقام)
3 – الإطار العام للخطبة: (إن إطار الخطبة هو الإرشاد ، ولكن الإرشاد يمكن أن يتناول القيم التي لها أصل في الدين من عبادات ومكارم ومعاملات بما في ذلك معاملة الحاكم للمحكوم ، وللخطيب قدر كبير من حرية اختيار الموضوع في الخطبة الأولى وفي الخطبة الثانية ) مشيرا إلى أن لا مانع من الإشارة إلى الحديث عما يعلي مثلا مستوحاة من الفضائل لكون الخطيب يرهب الناس من الوقوع في الشنائع وذلك بالنسبة إليهم وازع ؛ والوازع مانع ودافع.
4 – ترسيم الخطبة في السياق المغربي الحديث: (تنبه حكام المسلمين إلى أهمية خطب الجمعة وخطورة الخطبة فحاولوا ترسيمها من تاريخ القديم ومن قبيل هذا الترسيم إدراج الدعاء للحاكم القائم باعتباره «الإمام» الذي ليس إمام الصلاة سوى نائب عنه، فكان التذكير به في الخطبة بمثابة تجديد أسبوعي للبيعة، وفي هذا السياق وقع الخطباء غير ما مرة في مواقف المحنة كلما وقع التنازع العنيف بين أدعياء السلطة، …… ومكنت الخطبة بهذا الاعتبار من تعبير الجماهير عن موقفهم من الشرعية في المغرب الحديث بين 1953 و1955 عندما نفى الاستعمار الملك الشرعي محمد بن يوسف. فكان على سلطات الاستعمار ان تنصب العيون على قدر عدد المساجد كل جمعة لبراقبوا الخطباء الذين لا يصرحون باسم السلطان الذي فرضوه على الناس، لكن تأمين الحاضرين على دعاء الإمام ليس إلى فرضه من سبيل، وهذه من العناصر التي جعلت الحكام يتدخلون منذ قرون في توجيه الخطية أو على الأقل من أجل التخفيف من خطورتها وذلك بتعيين كبار خطباء مساجد العواصم، ويزيد احتمال الضغط على الإمام وتوجيه أو إلجامه على الأقل، إذا ما كان الحاكم يتصرف في الراتب الوقفي المصروف لإمامة الجمعة في مسجد من المساجد.)
5 – الخطبة والخطباء شذرات من التاريخ وإشارات خارج التاريخ: (ومن المسلم به أنه طوال تاريخ الخطبة عند المسلمين إنما برز في كل بلد وفي كل عصر أفذاذ ممن عرفوا مقاصد الخطبة وممن كانت لهم الكفاءة لإنشاء خطب شخصية، يأمرون فيا بالمعروف وينهون عن المنكر بأسلوبهم الخاص ودخل منها في التاريخ شذرات لقوة بلاغتها أو لما تعبر عنه من فكرة غير معتادة. أما الكثرة الكاثرة من الخطباء فظلوا يسردون متونا وضعت للمناسبة، تعرف عادة بالخطب المنبرية).
وتعليقا على ذلكم ؛ فالباحث يرسم عوالم خطبة الجمعة في كل ما تعرض له من عناوين في مواضيع بأن أجملها في ثنائتي:
الأمرِ بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهو روح الخطاب الديني وأساس الشريعة ، فكلاهما مجزي عنه وإنما الجزاء من جنس العمل.
يتبع غدا..