
تونس.. على وقع المخاوف واللايقين
في الوقت الذي كان فيه التونسيون ينتظرون إجابات واضحة من شأنها أن تبدد مخاوفهم وشكوكهم، على العكس من ذلك فاقم الدخول السياسي هذه المخاوف سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي والاجتماعي.
ويرى عدد من المراقبين، أنه وبدلا من أن يلوح بريق من الأمل في الأفق، بدت الحلول الموعودة لجميع القضايا، التي تقلق المواطنين، معلقة، مع انعدام أي فرصة لإيجاد السبل للحل.
ويواجه التونسيون، عوضا عن ذلك، خطابا انتقاميا ومفرقا، يضع نصب عينه أي صوت معارض. إن أطروحة المؤامرة ضد الأمن الداخلي للدولة هي ، أكثر من أي وقت مضى ، التيمة المفضلة للخطاب الرسمي الذي يقسم التونسيين بين المواطنين الحقيقيين والخونة الفاسدين العملاء للقوى الأجنبية.
ويترجم هذا الوضع، كما ترى منظمات حقوق الإنسان، عبر إسكات المعارضة، وتراجع الحريات العامة، وغياب أي نقاش عام، وتراجع كبير في حرية التعبير لفائدة قوانين تعتبر “خانقة “، وعدم القدرة على تدبير أزمة الهجرة بفعالية والتي أضحت أكثر تعقيدا.
فبالإضافة إلى المصادقة على المرسوم الشهير في شتنبر 2022 الذي يحارب نشر الأخبار المزيفة على شبكات التواصل الاجتماعي ، تم الإعلان، مؤخرا، عن بدء الإجراءات القانونية ضد مديري الصفحات الفيسبوكية والحسابات والمجموعات الإلكترونية المسؤولة عن نشر أخبار مزيفة والاعتداء على حقوق الغير أو الإضرار بمصالح الدولة والأمن العام.
ولم يؤدي تعيين رئيس الحكومة الجديد، في وقت متأخر من مساء فاتح غشت الماضي، إلى التأثير المتوقع. هو أحمد الحشاني شخصية أخرى مجهولة على الساحة السياسية ، لم يخاطب التونسيين بعد شهرين ، ولم يترأس أي اجتماع لمجلس الوزراء.
واتسم هذا الدخول ، وبشكل جلي، بموجة جديدة من الاعتقالات في صفوف السياسيين وكبار مسؤولي الدولة والصحفيين، وكذا بفرض قيود على شخصيات أخرى ممنوعة من مغادرة التراب التونسي.
وفي هذا الإطار، ليس من قبيل الصدفة توقيف رئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي يوم 5 شتنبر الجاري، وإطلاق سراحه بعد استجوابه حول التوظيف الذي أشرف عليه خلال فترة ولايته بين عامي 2011 و 2013.
وتم في اليوم ذاته توقيف اثنين من كبار قادة حزب النهضة الإسلامي، وهما الرئيس المؤقت للحركة ورئيس مجلس الشورى بها.
وفي سياق مماثل، تم استدعاء عضو سابق في الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أمام الفرقة الجنائية ليتم استدعاؤه للمثول أمام المحكمة الابتدائية بتونس. وليلة الثلاثاء خامس شتنبر والأربعاء سادس منه، تم، بالإضافة إلى ذلك، توقيف أحد أكبر المستثمرين في البلاد المسؤول عن شركة نفط عامة.
وأخيرا، تم يوم ثاني شتنبر توقيف الصحفي خليفة القاسمي تنفيذا للحكم الاستئنافي القاضي بسجنه لمدة خمس سنوات لرفضه الكشف عن مصدر المعلومات (المؤكدة) التي بثها عبر إذاعة “موزاييك إف إم”الخاصة.
وبالنسبة لمراقبي المشهد السياسي فإن الحكومة تنوي، من خلال هذه الموجة، تعزيز سلطتها بكل الوسائل.
وبالإضافة إلى كل هذا، أضحت قضية القمع السياسي في تونس مصدر قلق داخل الهيئات الدولية.
واقتصاديا ، مع أزمة المالية العامة التي طالت، يبدو أن الاقتصاد يذهب نحو الهاوية مع تأجيل الإصلاحات الرئيسية إلى أجل غير مسمى. ونتيجة لذلك ، فإن الأزمة الاجتماعية تتفاقم نتيجة التضخم المتسارع (9.3 في المائة في غشت الماضي) ، وتهالك القوة الشرائية والنقص الذي بدأ يؤثر على كل من المنتجات الأساسية وغير الأساسية.
ونتيجة النمو المنخفض، الذي يجب ألا يتجاوز 1.3 في المائة سنة 2023 ، يتوقع أن يتدهور الوضع الاقتصادي الكلي أكثر، وبالتالي قد تجد الدولة نفسها في حالة عدم القدرة على سداد الديون. فالبنسبة لشركاء تونس الرئيسيين ، فإن عدم وجود اتفاق مع صندوق النقد الدولي من شأنه أن يغرق البلاد في حالة من الفوضى وسيكون عاملا مزعزعا للاستقرار في المنطقة بأكملها.
ولهذا السبب يتردد الرئيس، قيس سعيد، في الاستجابة بشكل إيجابي للإصلاحات التي طالب بها صندوق النقد الدولي والتي يمكن أن تكون حافزا للانهيار الاجتماعي.
وفي هذا الصدد، خرجت المركزية النقابية الأكثر تأثيرا، الاتحاد العام التونسي للشغل، من فترة طويلة من السبات. وأكد ، أمينه العام، نور الدين الطبوبي ، يوم سادس شتنبر أن المنظمة العمالية لن تتخلى عن دورها الوطني والسياسي ، مؤكدا أن هناك أحزابا تريد أن تسحب البساط تحت أرجل النقابة.