ثقافة

سوء الفهم عند بعض التنويريين !‎‎

الدكتور محمد التهامي الحراق

جدل افتراضي واسع ذاك الذي أثارته أخيرا صورة شيخ الأزهر د.أحمد الطيب وهو عائد من ألمانيا بعد إجراء فحوصات طبية، صورة تظهر على رف إلى جانب مقعد الشيخ في الطائرة نسخةً من كتاب “أفول الغرب” للمفكر والروائي المغربي حسن أوريد. ما جذب انتباهي أن الجدل تجاوز حد التساؤل عما يقرأه الإمام الأعظم في مؤسسة الأزهر الشريف، والرغبة في التعرف على هذا الكتاب الذي جلب اهتمام الإمام؛ تجاوز ذلك إلى نقد اختيارات الرجل القرائية؛ بل والسخرية منها، حيث ذهب بعض “التنويريين؟؟” إلى أن الرجل يعيش انفصاما فكريا، إذ يذهب نحو الغرب للعلاج فيما يقرأ عن أفوله.
شخصيا، أضحكتني بمرارة وأسى سطحية هذه التعاليق، وصدور بعضها باسم “التنوير” يفاقم من ذينك المرارة والأسى. فبدلا من محاولة فتح كتاب “أفول الغرب” للإصغاء إلى مقاربته، وبدلا من التنويه بمتابعة شيخ الأزهر بما يُنتَج من كتب نقدية معاصرة في العالم العربي والإسلامي، وبدلا من النظر إلى هذا الاهتمام من زاوية محاورة الرؤى المختلفة حول الغرب، وعدم الانغلاق في الكتب الدينية التخصصية أو الكتب القديمة…إلخ؛ والاهتمام بكتب التحليل الفكري السياسي والجيواستراتيجي…بدلا من ذلك وسواه، صرنا نقرأ قراءة إيديولوجية قاصرة وانغلاقية مشهدا هو أحق بالتحليل ومحاولة الفهم منه بالتشهير وتغليب سوء الفهم. وهي قراءة تضمر أولا جهلا بالفرق بين المفهوم الجيو استراتيجي ل”الغرب” والمفهوم الحضاري التاريخي ل”أوربا”، مثلما تظهر جهلا بالحركية النقدية التي يعرفها الغرب نفسه على مختلف المستويات. ومعلوم أن روح الحداثة هي النقد كما هو ثابت وسائر؛ فضلا عن كون متابعة الشيخ الأزهر لما يُكتب في هذا الأفق، هو انخراط في التعرف على المسارات النقدية للتعامل مع “الغرب”؛ إما تساؤلا عن الآفاق التي تفتحها تلك الانتقادات، أو تعلما منها. فهذا “الغرب” متطور طبيا وعلميا واقتصاديا…ومع ذلك لا يكف عن ممارسة النقد طلبا لتجاوز أزماته، وهو ما يقتضي منا أن نتعلم منه في هذا الأفق. ثم قد يكون اطلاع شيخ الأزهر على مثل كتاب حسن أوريد بحافز الإجابة عن استفهامات مثل التالية: بأي معنى يتحدث المتحدثون عن أفول الغرب؟؟ وما أسباب هذا الأفول؟؟ وما موقع المسلمين ضمن هذا المسار، مسلمي الغرب والشرق على حد سواء….؟؟؟ وكيف يمكن لهم الإفادة من هذه الحركية التاريخية لمراجعة أوضاعهم والإسهام في التجديد الحضاري الإنساني في السياق المعاصر؟؟….إلخ.
لقد حجب النظر الإيديولوجي الأعمى مثل هذه الأسئلة عن بعض “التنويريين؟؟” الذين سَخِرُوا من مشهد كتاب “أفول الغرب” بجانب شيخ الأزهر، ولم يفكروا في قراءة الكتاب، ومحاورة صاحبه فكريا، ومحاورة شيخ الأزهر في ضوئه….وهذا نموذج حي للعماء الإيديولوجي لدى البعض الغلاة الذين يسيؤون لشعار “التنوير”؛ عماء إيديولوجي لا يقل عن غلو الطرف الآخر الذي يسيء لشعار “الدين” بنفس “المنطق!!”؛ إذ كلاهما في ظلام العماء سواء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

6 + سبعة =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض