الرأي الحر

البوليساريو… من وهم الانفصال إلى حقيقة الإرهاب: حين تنكشف الأقنعة في صحراء الساحل

في منطقة الساحل والصحراء، حيث يختلط وهج الرمال بلهيب الأزمات الأمنية، وتتقاطع الحركات المسلحة مع الجماعات المتطرفة في مشهد بالغ التعقيد، لم يعُد هناك متسع للرمادية أو لمواربة المواقف. فالحقائق تفرض نفسها بوضوح لا يحتمل التأويل، والحقيقة الأكثر إلحاحًا اليوم أن حركة البوليساريو الانفصالية تجاوزت منذ زمن بعيد الخطوط الحمراء، وتحولت من مجرد مشروع انفصالي مهترئ إلى فاعل إرهابي فعلي ينشط في قلب الفوضى الأمنية للمنطقة.

بعيدًا عن محاولات البعض إضفاء طابع سياسي زائف على هذا الكيان المسلح، تفضح الوقائع ما تحاول البيانات الدبلوماسية التستر عليه. فالبوليساريو، التي لطالما وُظّفت كأداة مناورة في حسابات إقليمية ضيقة، أصبحت اليوم حاضنة فعلية للتطرف ومشتلًا لتفريخ الإرهاب العابر للحدود، تغذيه الفوضى وتوفر له ملاذات آمنة في مخيمات تندوف. المعلومات الاستخباراتية، وآخرها تقارير صادرة عن المركز الوطني الإسباني للمخابرات (CNI)، تؤكد وجود صلات مباشرة وموثقة بين عناصر البوليساريو وفروع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، بل وأيضًا تنظيم داعش الإرهابي.

هذه المعلومات جاءت لتمنح مصداقية لتحذيرات أطلقها منذ سنوات عدد من الخبراء الاستراتيجيين الذين نبّهوا إلى خطورة هذا الكيان على استقرار دول المغرب العربي والساحل، في ظل التحالفات المريبة التي تُنسَج بين مجموعات مسلحة وانفصالية ومتطرفين، في فضاء أمني هش يتسع باستمرار لتمدد الجماعات الإرهابية. وبهذا الصدد، يؤكد أستاذ الدراسات الاستراتيجية في كلية الدفاع الوطني بدولة الإمارات، محمد بادين اليطيوي، أن البوليساريو يشكل تهديدًا حقيقيًا للأمن الإقليمي، مشيرًا إلى أن الانفلات الأمني على حدود الساحل والصحراء سهل مرور السلاح والمقاتلين، وزاد من نشاط تجارة المخدرات التي أصبحت مصدر تمويل رئيسي لتحركات البوليساريو وأذرعه.

ولعل المستجد الأبرز في هذا السياق هو التحول اللافت في الموقف الإسباني، الذي كان لسنوات يحتفظ بعلاقة ملتبسة مع البوليساريو، تحت غطاء دعم إنساني مزعوم. إلا أن المعطيات الجديدة التي كشفتها المخابرات الإسبانية أزاحت الغشاوة، وأظهرت أن هذا الكيان بات يشكل خطرًا حقيقيًا على أمن إسبانيا وأوروبا بأسرها، خاصة مع تأكيد تورط بعض أعضائه في شبكات متصلة مباشرة بفروع القاعدة وداعش. وهو ما وضع الحكومة الإسبانية، التي تعرضت سابقًا لضغوط من منظمات مجتمع مدني وأحزاب يسارية داعمة للبوليساريو، في مواجهة حقيقة مؤلمة.

وعلى ضوء هذه التطورات، تعود إلى الواجهة مجددًا مبادرة النائب الجمهوري الأمريكي جو ويلسون، الداعية إلى تصنيف البوليساريو رسميًا كمنظمة إرهابية. مبادرة تتجاوز رمزيتها السياسية لتصبح أداة فعالة في معركة التصدي للإرهاب العابر للقارات، إذ من شأنها تجفيف منابع التمويل والدعم الدبلوماسي لهذا الكيان، وفرض عزلة دولية خانقة عليه. ويؤكد اليطيوي أن هذا التصنيف يحظى بدعم متزايد من الأغلبية الجمهورية في الكونغرس الأمريكي، خاصة في ظل الانضباط الصارم الذي فرضه الرئيس الأسبق دونالد ترامب على قواعد الحزب، ما يمنح المقترح فرصة قوية للمرور.

في المقابل، تشكّل هذه التطورات فرصة سانحة لإعادة صياغة للتعاون الأمني الدولي على نحو أكثر تنسيقًا وصرامة. فالكشف عن هذه الروابط الخفية بين البوليساريو والتنظيمات المتطرفة يفرض ضرورة بناء تحالفات أمنية متكاملة بين دول شمال إفريقيا وأوروبا والولايات المتحدة وبعض دول الشرق الأوسط، لمواجهة شبكات الإرهاب والتهريب وتفكيك معسكرات التطرف.

وهكذا، تنهار تدريجيًا أوهام كانت تسوّق البوليساريو كـ”حركة تحرر”، لتنكشف حقيقتها كأداة إرهاب إقليمي، تستغل هشاشة الأوضاع الأمنية في منطقة الساحل لإعادة إنتاج الفوضى. وما كانت بالأمس حركة انفصالية أصبحت اليوم خنجرًا مسمومًا في خاصرة الأمن المغاربي والأوروبي.

وفي الختام، لا بد أن يتوقف المجتمع الدولي عن التغاضي عن هذه الحقيقة الموثقة، وأن يُسمّي الأشياء بمسمياتها: البوليساريو تنظيم إرهابي يشكل تهديدًا صريحًا للسلم الإقليمي والدولي.

ويبقى السؤال المُلِح: في زمن تبتلع فيه الشعارات الجوفاء والاصطفافات المضلّلة أبسط معايير الحقيقة، ما مصير الذوق السياسي العام والضمير الإنساني حين تصبح قضايا الإرهاب مجرد أوراق تفاوضية في بازار المصالح؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

2 × خمسة =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض