
انطلق اليوم الثلاثاء المؤتمر الدولي المعهد الأوروبي للدراسات الإبستمولوجية ببروكسيل، بشراكة مع جامعة ابن زهر وجمعية الشيخ ماء العينين للتنمية والثقافة بتيزنيت، و ومنشورات العلامة عبد الحي ابن التاب -نواكشوط، تحت عنوان شخصية الشيخ ماء العينين: دلالات بمدينة تيزنيت بحضور عامل الإقليم السيد حسن خليل ورئيسي المجلسين الإقليمي والجماعي تيزنيت.
ويهدف هذا الملتقى العلمي الدولي لدراسة هذه الشخصية الثرية المتنوعة ولفحص تراثها الفكري والأدبي والروحي والسياسي في سياقه الخاص وفيما يعنيه بالنسبة لحاضر ومستقبل المنطقة، حيث يتضمن المؤتمر عدة محاور؛ انفتاح الشيخ ماء العينين العلمي (الفقهي والصوفي) ومراعاته لواقعه المحلي بتعقيداته وتنوعاته. بالإضافة إلى عنايته بالكتب والمخطوطات عموما والتأليف الخاص خصوصا (التراث المخطوط والمطبوع للشيخ، شروحات تراثه، الدراسات المعاصرة على إنتاجه الفكري، ترجمته إلى لغات أخرى…)
المحور الثالث: نظرة الشيخ الاجتماعية (القبول بالمختلف، التضامن/التكافل الاجتماعي…)، كما سيسلط المؤتمر نظرة الشيخ ماء العينين لوحدة المغرب الأقصى وللوحدة المغاربية الإسلامية وتنقله بين أقاليم المنطقة. وكذلك أسلوبه في الجهاد ومقاومة الاستعمار الثلاثي. ونظرة الشيخ السياسية والدبلوماسية وطبيعة علاقاته وتنسيقه مع سلاطين تلك الحقبة. وسيقف المؤتمر عند إنتاجه الأدبي وبخاصة رسائله التي تبادلها مع شخصيات نافذة.
يذكر أن سيدي المصطفى بن الشيخ محمد فاضل القلقمي بن محمد الأمين المعروف باسم الشيخ ماء العينين، علم من أعلام المغرب والعالم العربي والإسلامي، جمع بين العلم والتأليف، والتربية والتدريس، والإصلاح والتأثير على الأفراد والجماعات، والتضحية والجهاد. ولد بالحوض شرق موريتانيا سنة 1246ه/1831م وتوفي بمدينة تزنيت بالمملكة المغربية سنة 1328ه/1910م.
بنى مدينة السمارة سنة 1898م على ضفة أحد فروع وادي الساقية الحمراء، وأصبحت مدينة علمية يقصدها طلاب العلم من كل حدب وصوب حيث تجاوز مريدوه العشرة آلاف.
ترك الشيخ ماء العينين مؤلفات كثيرة، تمّ إتلاف وحرق الكثير منها في الهجوم الفرنسي والإسباني على مدينة السمارة، نذكر من مؤلفاته الخالدة: “دليل الرفاق على شمس الاتفاق” و”نظم الحكم العطائية” و”المقاصد النورانية” و”المرافق على الموافق” شرح فيه موافقات الشاطبي. ومن أشهرها: نعت البدايات وتوصيف النهايات، كما أسس مكتبة من أكبر مكتبات شمال إفريقيا، ويؤكد الشيخ المختار السوسي في معرض حديثه عن كبار علماء المغرب أن كتب خزانة الشيخ ماء العينين أغرقت منطقة سوس التي هاجر إليها بعد اضطراره إلى مغادرة السمارة وأن المكتبة الوحيدة التي كانت تضاهي مكتبة ماء العينين هي مكتبة الزاوية السنوسية بليبيا.
نظم الشيخ ماء العينين مقاومته للاستعمار: البريطاني والفرنسي والإسباني انطلاقا من هذه المدينة. تحرك الشيخ في البداية لمواجهة المطامع البريطانية التي حاولت احتلال “طرفاية” ثم قاوم الأطماع الإسبانية لسواحل وادي الذهب بين 1884م و1910م ووقف كذلك في وجه محاولات فرنسا التغلغل في عموم بلاد المغرب الأقصى وما جاورها من بلاد المغرب الأوسط، “بشكل خاص المملكة المغربية وموريتانيا”.
في طريق عودته من الحج، استقر الشيخ ماء العينين بالإسكندرية ستة أشهر ثم عاد إلى طنجة ومنها إلى مكناس فمراكش ثم عاد إلى أعماق الصحراء مستقرا بتندوف قبل أن يعود مجددا إلى مدينة أدرار قبل أن يتخذ منطقة الساقية الحمراء ووادي نون الساحلية مستقرا له حيث أسس مدينة السمارة على ضفة أحد فروع وادي الساقية الحمراء كما أسلفنا.
أسس الشيخ ماء العينين مشروعه الفكري على مبدأ توحيد المجتمع بكامل أطيافه وتنوعاته، فتتميز طريقته الصوفية بمؤاخاته بين جميع الطرق الصوفية فكان يرحب بالمنحدرين من طرق صوفية مختلفة وامتدت هذه الطبيعة التوفيقية إلى المجال القبلي فكانت القبائل على اختلافها تلجأ إليه لحل خلافاتها. تتسم فتاواه بقدر كبير من الاستقلالية عن المذاهب وكان يراعي في اجتهاداته المتنوعة السياق الاجتماعي المحلي.