
صدى رجالات أسفي في التاريخ – الحلقة 109
إعداد : الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي
الأستاذ محمد بالوز
من مواليد مدينة أسفي ، عرفناه باحثا متميزا وكاتبا أنيقا ، وأحد رجال التربية والتعليم المشهود لهم بالكفاءة ، فقد اشتغل بالتدريس منذ عام 1971 مباشرة بعد حصوله على دبلوم المدرسة العليا للأساتذة بالرباط ، شعبة التاريخ .. بعد ذلك ، التحق السي بالوز ـ رحمه الله ـ بالعمل الإداري ، فحارس عام بإعدادية ابن الخطيب بأسفي ، لينتقل إلى الرباط كمدير للثانوية الإعدادية الخوارزمي بتمارة .
عرف الأستاذ محمد بالوز بالسيرة الحسنة والسلوك النبيل ، فكان شخصية اجتماعية ، هادئ الطبع ، متزنا ومتمكنا من ثقافة عالية المستوى بالنظر لمكانته الرجل العلمية وسيرته بين ذويه ومحبيه ، مثقفا ملتزما بقضايا وطنه ، خاصة كتاباته عن مسقط رأسه ، أسفي التي خصص لها حيزا مهما من الدراسات ، كان يسعى من خلالها للتعريف بما تزخر به هذه المدينة من إرث حضاري أثيل . فجاءت كتاباته عنها أكثر تميزا وتألقا ووهجا ، مركزا اهتمامه بالمغيب من تراث وتاريخ مدينة أسفي وقيمها الثقافية والتاريخية والعلمية والدينية.
من هنا ، توزع نشاطه الثقافي ، فترك وراءه أعمالا جليلة دلت على ما كان للرجل من ارتباط ووله بقضايا التاريخ الوطني والمحلي . وهكذا نجد ضمن هذه الكتابات القيمة التي توثق للذاكرة الآسفية : ” صفحات من تاريخ أسفي ” و ” أسفي من خلال جريدة العلم ” في جزأين و” أسفي في زمن الحماية من خلال مذكرات ابن الشيخ ” و ” أسفي بقلم أربعة من الأعلام ” و ” القايد عيسى بن عمر العبدي ” . وهناك كتب أخرى حول أسفي ، ساهم في توثيقها وإخراجها مع غيره من الباحثين ككتاب : ” أسفي وما إليه قديما وحديثا ” للفقيه الكانوني ، وكتاب : ” الجواهر الصفية في تاريخ الديار الأسفية ” وغيرها من الأعمال التي تخلد مسار الرجل العلمي والثقافي .
إن الرجل بهذه الأعمال حول أسفي ، يجعلنا نعتز به أديبا لامعا وباحثا متميزا ، ينشر ما يمتع ، ويكتب ما يقنع بأسلوب مشرق أنيق ، يظهر أثر ذلك في صفاء لغته التي ترقى إلى مستوى من الأداء الرصين والتعبير الآسر القوي . وهذا يشكل ملمحا بارزا ، وسمتا أصيلا في مجال الكتابة التاريخية المحلية والجهوية بكل غناها وكثافتها وعمقها وشمولها ، مما سيجعلها دائما علامة مضيئة في مسيرة التاريخ . وهكذا يكون الأستاذ محمد بالوز قد فرض نفسه على الناس بما قدم لهم من مادة تاريخية حول مدينة أسفي نستطيع أن نفاخر به باحثا لامعا ، هدفه تقديم الحقائق دون تلميع أو تزييف أو تحقيق منفعة مادية ، بل العكس ، وجدناه يعمل في صمت ، متحليا بأخلاق العلماء الكبار ، تشعر في شخصيته بالبصيرة والإحساس المرهف ، وفي داخل هذه الشخصية تجد كل عناصر الحياة والمعاني النبيلة التي لا تخضع لقواعد الحقد والحسد والغيرة ، بل لمبادئ وقيم نبيلة خالصة .
توفي الأستاذ الباحث محمد بالوز، صبيحة يوم الأحد 15 شتنبر 2019 بتمارة، بعد رحلة طويلة من العطاء، تاركا وراءه ذخيرة علمية هامة ستخلد اسمه طويلا ضمن سجل الكتاب والباحثين . واليوم ونحن نتحدث عن السيد بالوز ، إنما نتحدث عن رجل من رجالات أسفي في إطار رحلاتهم الحياتية المليئة بالأعمال الشريفة والخدمات الجليلة ، فكانت حياتهم منهلا عذبا ومنتجعا فسيحا للدراسة والتحليل والتأمل والتفكير فيما يمكن أن يكون نبراسا تستهدي به الأجيال اليوم .