
أصوات ائتلاف ذاكرة المغرب تطالب برد الاعتبار للمدينة العتيقة بأسفي
إعداد : د. منير البصكري الفيلالي / أسفي
انعقد مؤخرا بمدينة أسفي الاجتماع الدوري لائتلاف ذاكرة المغرب، وهو ائتلاف يهتم بالنهوض بالمدن العتيقة ونفض الغبار عن ذاكرتها .. نظرا لما تحمله من قيم لها أبعاد تاريخية وحضارية، تجعل منها تراثا ثقافيا يساهم في تحقيق التنمية المستدامة لهذا النسيج الحضري . ومن ثمة ، شكل هذا الاجتماع فرصة للنقاش وتبادل الرأي خدمة للحضارة المغربية في إطار تقلبات الحاضر وتطلعات المستقبل .
فعلا ، مكن هذا اللقاء التواصلي من فتح مسارات للتفكير والنقاش في كيفية توظيف الثقافة والابتكار بغية الإسهام في التنمية الحضرية المستدامة .. خاصة وأن برنامج تثمين المدن العتيقة، يهدف بالأساس إلى تحسين ظروف عيش الساكنة من جهة ، وتطوير الإطار المعماري لهذه المدن ، وتدعيم المباني الآيلة للسقوط ، إضافة إلى تأهيلها للمحافظة على جزء من تراثنا الوطني الأصيل المادي واللامادي ، فضلا عن النهوض بتراثها الثقافي الثمين .، إلى جانب تعزيز دينامية التنمية التي تعرفها هذه الحواضر التاريخية وجاذبيتها السياحية والثقافية .
وقد أكد المشاركون على هامش الاجتماع المذكور، على أهمية المدينة العتيقة بأسفي وتثمين موروثها الثقافي من أجل دعم التنمية الحضرية لهذا الفضاء المتميز .. ذلك أن المدينة العتيقة بأسفي تعاني في صمت من الكثير من الإكراهات والتحديات ، ويجب رد الاعتبار لهذا الصرح الحضاري . فهناك داخل أسوار المدينة العتيقة عدة مواقع تاريخية ، كما أن هناك أماكن للعبادة ، كالزوايا والأضرحة التي تعاني تهميشا وإهمالا كبيرا، ما يستدعي اعتماد مقاربة تستهدف مراعاة حاجيات هذه الفضاءات الدينية، باعتبارها قاطرة للتربية والتأهيل الروحي ، تجب العناية بها، واستغلالها بكيفية تعود بالنفع والفائدة على الساكنة ، في الوقت الذي لا يجب أن يقتصر التأهيل على العملية “الاستيتيقية ” الجمالية ، بل أن يتجاوزها نحو وظيفة جديدة ، هي الحفاظ على خصوصيتها وجماليتها وتراثيتها أو معالمها التقليدية وملامحها التاريخية . إضافة إلى الكتاتيب القرآنية والكنائس والمساجد،
ونخص بالذكر المسجد الأعظم الذي أغلقت أبوابه منذ ثلاث سنوات بدعوى الإصلاح والترميم ، وهو معلمة تنضاف إلى ما للمدينة العتيقة بأسفي دكاكين بدرب النجارة ودرب الصومعة وغيرها من الدروب والأزقة ، كانت معروفة بأنشطتها الاقتصادية والصناعة التقليدية هي اليوم مقفلة طالها الخراب ، مما يستدعي مقاربة واضحة ومتميزة تأخذ بعين الاعتبار جميع الأبعاد المرتبطة بتحقيق التنمية المنشودة للمدينة العتيقة بأسفي ، وذلك بغرض الحفاظ على نسيجها العمراني التقليدي وتجهيزاتها العمومية ، وكذلك اقتراح بعض الوظائف البديلة التي يمكن أن تسهم في إضفاء طابع جديد على هذا النسيج مع مراعاة الحفاظ على العناصر الأصلية للمباني الآيلة للسقوط . والواقع يكشف أن المدينة العتيقة بأسفي لم تنل ـ للأسف ـ حظها من تفعيل مجموعة من المشاريع والأوراش كان فد دشنها جلالة الملك محمد السادس نصره الله في غير قليل من زياراته الميمونة إلى أسفي ، فقد أولاها جلالته عناية مهمة ذات بعد تنموي وثقافي وروحي ، مما كان وسيكون له دور مهم في تنمية المدينة وخلق وظائف بديلة تهم التجهيزات التي تتواجد في وضعية متدهورة وإعطائها قيمة أكبر وجعلها أكثر ملاءمة لمزاولة وظائف تعود بالنفع على النسيج العتيق لهذه المدينة العتيقة وساكنتها . ولا يخفى على أحد أن مدينة أسفي كانت دائما ضمن المدن العريقة في المغرب ، ازدهرت بها على مر العصور والأزمان حضارات متنوعة وغنية ، وبقيت محافظة على تقاليد حضارية متميزة ، إلى جانب كونها مدينة للجهاد ومركزا مهما للنساك والعلماء ،مما أهلها لتكون واحدة من المدن العتيقة والعريقة بالمغرب .
ولعل المدينة اليوم في أمس الحاجة إلى عمليات الترميم والتأهيل ووضع برنامج يمكنها من المحافظة على تراثها وتسويق مؤهلاتها الحضارية والثقافية والتاريخية بما ينسجم والرؤية الملكية التي ترمي إلى العناية بالموروث الثقافي والتراث المعماري للمدينة القديمة ذات النسيج العمراني الأصيل ، وكذا الحفاظ على هوية المدينة العتيقة ومعالمها الأصيلة، وتأهيل وإعادة الاعتبار لنسيجها العتيق، وإدماجها في منظومة تنموية تهدف إلى تثمين تراثها المادي واللامادي . ومثل هذا التوجه يكرس للسياسة المتبصرة لجلالة الملك، الهادفة للاعتناء بالمدن العتيقة . ومن المعلوم والواضح أن سياسة جلالة الملك المستنيرة في مجال العناية بالمدن العتيقة وتثمينها والحفاظ على إشعاعها العمراني، أضحت رافعة حقيقية للنهوض بهذه الحواضر المتفردة وتحسين معيش ساكنتها، ومن ثم جعلها أقطابا سياحية تتيح إنعاش الحركة الاقتصادية، وذلك وفق منظور يحرص على المزاوجة بين أصالة المعمار وضرورة التحديث . وهذا ما جسدته الرؤية الملكية السديدة التي تنهل مقوماتها من الحرص المولوي السامي على النهوض بالرأسمال اللامادي للمملكة في مختلف تجلياته، وبالتالي جعل الموروث الحضاري رافعة أساسية لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة . فالمغرب ـ كما يعلم الجميع ـ يتوفر على تراث حضاري مهم صنفت منه غير قليل من المواقع على لائحة التراث العالمي، وحظيت فيه المدن العتيقة بنصيب الأسد ، وذلك من منطلق اعتبار الحفاظ على التراث جزءا لا يتجزأ من عملية الحفاظ على الهوية والذاكرة الإنسانية كإرث جماعي مشترك.
لقد أضحى وضع المدينة العتيقة بأسفي في الوقت الحاضر يفرض نفسه بإلحاح ويثير الانتباه على جميع المستويات: الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية والبيئية وغيرها ، وأصبح من الضروري إنقاذ ما يجب إنقاذه قبل فوات الأوان . ولن يتحقق ذلك دون تضافر جهود الجميع ، كل من موقعه.