
اللهث وراء “الضوارة”، يكشف عن الخلل في القيم والإدراك لدى كثير من البسطاء.
تهافت و لهث بعض المواطنين على لحوم العيد، يُحرج المطالبين بمراعاة ضعف القدرة الشرائية للبسطاء، ويُحَيّر الفاعلين في ترسيخ ثقافة الاستهلاك.
عبد اللطيف أفلا
لاشك أن الحديث عن تنمية فكر وتفكير، وإحساس وسلوك بعض من أفراد المجتمع، يبدو بعيد المنال حين يكون إدراكهم خاطئا لا يعي المواقف والواقع والأحداث، ولا يكاد، قبالة مظاهر مؤسفة حيرت المتتبعين لها باختلاف اتجاهات نشاطهم واشتغالهم.. مظاهر لهث ولهف كثير من المواطنين ممن يُحْسبون من البسطاء وضعاف القدرة الشرائية وكذلك محدودي الدخل، خلف لحوم عيد الأضحى، بدءا ب” الضوارة” التي تضاعف سعرها أضعافا مضاعفة، فباتت المادة الأكثر مبيعا في قبل وقبيل الأيام التي تفصل عن حلول يوم الأضحى.
تباعا وعلى مدار الساعة، تقف السلطات الأمنية أمام كثير من حالات بيع الخرفان في بعض الأسواق ومداهمة محلات خاصة بالمتاجرة فيها سرا، ونقلها من منطقة إلى أخرى، وإدخالها خلسة للمنازل، كما أنها وقفت وتواصل وقوفها على حالات بيع اللحوم بطريقة مخالفة للشروط الصحية والقانونية حتى أعياها الأمر، لكنها مرغمة بواجبها المهني وتكثيف حملاتها المراقباتية، حتى شكلت تلك المظاهر أكثر المخالفات القانونية التي تسجل على مدار الساعة بكل المناطق وجميع المدن المغربية في الآونة الأخيرة.
مشاهد وسلوكات حيرت صناع القرار والفاعلين في علم الاجتماع والتربية والنفس، وحماة المستهلك والفقهاء، وحتى كثير من المواطنين الواعين بالمرحلة الصعبة التي تمر منها المملكة المغربية جراء سنوات الجفاف، وتراجع نسبة القطيع الوطني، وهو ما قسم المجتمع المغربي إلي صنفين، صنف لا يرى في العيد إلا الأضحية ولا تعنيه التوجيهات، ولا يأبه للتحذيرات والنصائح، وصنف فقد الأمل في إحداث تغيير في ثقافة الصنف الأول، ولا حاجة للتفكير في ضعف قدرته الشرائية او أخذها بعين الاعتبار.
يقول مواطن من الصنف الثاني:
” الصراحة لا حياة لمن تنادي.. هادو للي كايتخاطفو على اللحم، أو الضوارة، او للي شراو لحولي خزنة، هوما للي ديما موجدين باش يشريوه واخا يوصل مليون.. هوما للي كايتشكاو يوميا من لغلا، هوما اللي كايقولو بلي اخنوش قهرهوم، هوما للي كيتخاطفو على السردين فرمضان واخا غالي، هوما للي ولادهوم كيدخلو للتيران واخا التيكي ب 1000 درهم. أو هاهوما واخا سيدنا الله ينصرو فكر فيهوم او فكر فلقطيع ديال بلادنا، والو! ماكاينينش هنا.. أو لحقيقة هاد الناس ماكيتفرجوش فلأخبار اش واقع، ما كايسمعوش للفقهاء آش كايغولو ليهم علا مخالفة ولي الأمر.. ماعارفينش أصلا شناهوا العيد.. الهم ديالهوم هو كرشهوم.. بحال هاد الناس هوما للي كايعرقلوا طريق التنمية والإصلاح، أو كايشوشو علا المواطنة الحقيقية.. او هما للي خلاوي السياسيين يقولوا بلي الفقراء محاربين معا راسهوم ماشي مع الغلا.. “
من بين الجهات والهيئات التي صُدمت من مظاهر تسابق بعض المواطنين على اللحوم، وتسببهم في ارتفاع الأسعار وكذلك ارتفاع الطلب، الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق المستهلك، حيث تحدثنا لرئيسها السيد علي شتور والذي كانت له قراءة لتلك المشاهد الغير معقولة، ربطها ببعض الأسباب كالتالي:
“رغم الظروف الاستثنائية، كالتوجيه الملكي السامي، وتأثيرات الجفاف أو الأزمات الاقتصادية، لا يزال بعض المواطنين يتنافسون على شراء الخروف أو اللحم وبالأخص ما يسمى ” الضوارة” لعدة أسباب متداخلة، منها:
فعيد الأضحى ارتبط في الوجدان المجتمعي بذبح الأضحية، إلى حد أن عدم القيام بها يُشعر البعض بالنقص أو الخروج عن المألوف، وقد ترسخت تلك العادة الاجتماعية إلى حد العُرْف في ضرورة تناول اللحم صبيحة العيد، لدرجة أن البعض يرونها أولوية مطلقة، بالرغم من ضعف القدرة الشرائية. سبب آخر أن الأمر له ارتباط نفسي، لتحقيق الذات وبالأخص التقدير من الآخرين، لأن هناك الكثير من الناس يحسبون لنظرة الآخرين ألف حساب، ويبنون عليها تحركاتهم وتصرفاتهم، وحتى مواقفهم وأنماط عيشهم، خاصة في الأحياء الشعبية والقرى، حيث يتم تقييم “الرجولة” أو “الكرم” بالقدرة على شراء الأضحية.”
وذكر الفاعل في حماية المستهلك بدافع آخر ضمن دوافع السلوكات التي أربكت جل الحسابات وأتعبت السلطات الأمنية في ترصدها وملاحقتها، وهي ضغط وتأثير أفراد الأسر الهشة، خاصة الزوجة ثم الأطفال على رب البيت للجري وراء الأضحية كمظهر من مظاهر العيد التي لن تتكرر، والتي تغني عن الإحساس بالضعف رغم تكليفها المادي.
وحول الحديث الذي يروج مؤخرا حول خيبة او عدم جدوى التحسيس والتوعية بالثقافة الاستهلاكية، رد ضيف جريدة MCG24، قائلا:
” ليس هناك خيبة الجهود التحسيسية، السر يمكن في كون كل هؤلاء الذين يتسابقون على اللحوم، والذين تسببوا في ارتفاع الأسعار، وهم من ضعاف القدرة الشرائية، لا يتابعون برامج التوعية، وحملات التحسيس، ولا التوجيهات الرسمية والحكومية، ربما لأنهم لا يتفرجون على النشرات الإخبارية على وسائل الإعلام، ولا يحضرون خطب الجمعة، ولا يستمعون لنصائح الفقهاء، بشكل عام هم من يغَيبون أنفسهم عن النداءات والدعوات والحملات التحسيسية، وكثير منهم لا يتأثرون إلا بالعقوبات القانونية، فعلى سبيل المثال، كثيرا ما نجد شخصا يرمي كيسا من أزباله ونفاياته المنزلية عند جدار مكتوب عليه “ممنوع رمي الأزبال !” وآخر يدخن رغم علمه بأن التدخين مضر بالصحة.. إذن فإن المسألة السلوكية هي أمر صعب ومعقد، ولا يمكن ربطه مباشرة بضعف التحسيس، أو شيء واحد، لأنه يتصل بكثير من العوامل والمؤثرات ويتفاعل ويتأثر بها بشكل متشعب.. القضية اليوم أكبر مما نتصور..”
فعلا القضية اليوم أكبر مما نتصوره ونحسبه