
الإشراق الصوفي في الشعر الملحون – الحلقة الثالثة
إعداد : الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي
بمناسبة الطلعة البهية لشهر رمضان المبارك، يسعدني أن أتقاسم مع قراء MCG 24 موضوعا في غاية الأهمية، يتعلق بالإشراقات الصوفية في الشعر الملحون، متمنيا لهم جميعا قراءة ماتعة ورمضانا مباركا، أدخله الله علينا باليمن والبركة والتيسير، وتقبل منا الصيام والقيام وصالح الأعمال، وبلغنا جمال لحظاته ونحن في أحسن حال.
الحلقة الثالثة :
هل نستطيع القول بأن شعراء الملحون ولجوا عن وعي وإدراك عوالم التصوف، وخاضوا في بحوره ومسالكه، حتى أصبح بإمكانهم الدعوة إلى التصوف؟ وهل نستطيع إقامة جسور للتشابه والتطابق بين هؤلاء الشعراء وبين غيرهم من شعراء التصوف كالحراق وابن الفارض وغيرهما؟
قد نستدل على ذلك بنموذج من شعر الحراق الذي أصبح حديث القاصي والداني في المغرب وربما خارجه أيضا، بعد أن تغنت به مختلف الطبقات الشعبية. ومما لا شك فيه أن الشيخ الحراق استلهم معنى وقالب الشعر الصوفي من شعر ابن الفارض ومن أشعار وأزجال الصوفي الشاعر أبي الحسن الششتري.
يقول الشيخ الحراق :
جاد الزمان واستبشر قلب الهايم واتحلى بالسعد حين صاب مناه
انكا لحسود وضفر بالعز الدايم واصبح يتمختر في اثياب هناه
ويضيف في مكان آخر :
طاب السرور أمع البــــــــــدور بيض النحـــــــور
اغنم كاس الراح ها احبيبك زار
وينا ابدور هذي يا بو النعايم ما هي إلا بروق سر ضيــــــاه
بيض النحور في كل ما تتلايم تتديجر الانوار من شعاف سناه
اسقي ودور هو الشـــــــــــــــور طول الدهـــــــور
ساعة السلوان فايدت الاعمار…
لقد شكل الشيخ الحراق مدرسة يمكن أن نذكر من روادها بعده، خاصة في الشعر الملحون الشيخ الأزموري والشيخ امريفق والسي اسماعيل وسيدي ادريس “لهويتر” وغيرهم من شعراء الملحون. ولعل الشعراء المنضوين تحت الطريقة العيساوية أو الحمدوشية، قد استفادوا من البعد الصوفي الذي تزخر به أشعار الشيخ الحراق. فما هي إذن مركزية دعوة شاعر الملحون إلى التصوف؟ وهل انطلق من الدعوة إلى تطهير النفس ومجاهدتها، أم أنه انطلق من تجربة صوفية، غايته تحقيق الوصال والبحث عن الكمال؟