ثقافةغير مصنف

قصة قصيرة.. مأساة سعيد و شجرة الزيتون

محي الدين الوكيلي

 

الساعة تشير إلى الثامنة صباحا، خرج سعيد من المنزل و اتجه نحو شجرة الزيتون فوق التل القريب. كانت شجرة وحيدة على الجانب الشمالي للقرية. لا أحد يعرف من غرسها هناك و لا كيف نبتت. هناك في مرتفع بعيد على بساتين القرية كانت منذ سنين. كان سعيد يحب أن يجلس إلى جانب شجرة الزيتون هاته و يسبح ببصره في كل الاتجاهات.جبل سلفات أمامه شامخا في ارتفاعه و حوله المساحات الشاسعة من سهول التيرس ذات التربة السوداء. جبال زرهون شاهقة تحجب النظر عن سعيد حتى أنه كان يظن أن الحياة تنعدم وراء هذه المرتفعات. أما حين يشيح ببصرة إلى الجهة الأخرى فالمنازل الطينية هي أول ما تلاقيه عيناه قبل أن تظهر بعد ذلك بساتين الزيتون و التين و الليمون. أمام سعيد كانت ساحة كبيرة تصل القرية بأحد أهم منابع المياه التي يتزود منه سكان القرية. هاته الساحة ضلت فضاءا يستعمله سكان القرية لبناء أكوام التبن و مسرحا لسباق الحمير الذي غالبا ما كان ينشط مساء القرية الرتيب.

كان سعيد يقضي جزءا من وقته تحت هذه الشجرة حتى أصبح الجميع يعرف قصة الحب التي تجمعه بشجرة الزيتون .و مع مرور الوقت أصبح الجميع يطلق عليها ” شجرة سعيد” نسبة له.

سارت الأيام على هذا الحال و مر وقت طويل دون أن يكسر أي حادث رتابة أيام القرية. و في يوم من أيام الصيف، استيقظ سعيد على صوت جلبة قرب المنزل. لم يعر لذلك اهتماما. أخذ فطوره على مهل قبل أن يتأبط وسادته و كتابا من كتبه متجها نحو شجرة الزيتون. كانت دهشته كبيرة و هو يلاحظ سياجا كبيرا من الأشواك الشائكة و قد وقف حاجزا بينه و بين شجرة الزيتون. كان السياج يمتد من الطرف السفلي للقرية حتي الجهة البعيدة فوق الجبل. شجرة الزيتون تبدو لسعيد هناك بعيدة و كأنها في سجن انفرادي تمنع عنها الزيارات و المؤن. لم يستطع سعيد استيعاب ما يحدث و لا من كان وراء هذا الفعل الشنيع و لم يفهم مغزى ما يجري أمامه. عاد مسرعا نحو أمه متسائلا .حين أخبرته أن الجنرال وراء ذلك هرع نحو أبيه لعله يستطيع تغيير الأحداث و يفك أسر شجرة الزيتون و يمكنه من اللقاء بحبيبته كما اعتاد على ذلك. نظرة الأب المنكسرة كانت كافية ليقتنع الطفل الصغير أن قبضة الجنرال أكبر من رغبته و تطلعات أهل القرية.

عادت القرية إلى رتابتها و تعود أهلها على التغييرات التي فرضها الجنرال على جغرافية البلدة. وحده سعيد من استمر الحزن يسري في نفسه و الحسرة تعتصره على فراق شجرة الزيتون و بدل أن يعتاد سعيد على حاله، كان شوقه يزداد و رغبته في تجاوز الحاجز السلكي نحو شجرة الزيتون يكبر. و ذات صباح، تسلل سعيد من فراشه حاملا مقص تشذيب الأشجار و توجه نحو الحاجز السلكي، قص طرفا منه و تسلل جسده الصغير عبر الهوة الصغيرة التي صنعها لنفسه و أسرع نحو الشجرة بسرعة العاشق الولهان. لم يدري كم من الوقت قد فات على مجيئه و لا هو انتبه إلى ما يجري حوله. فجأة ، سمع سعيد و سكان القرية معه صوت طلقة نار في السماء، و صوت كلب الجنرال يسمع من بعيد البعيد. هرع الجميع إلى الخارج حتى العجزة منهم . كان منظرا مؤلما جدا. سعيد يجري هاربا من الكلب و المختار حارس الجنرال ينهال بمعوله على الشجرة دون رحمه أو شفقة. نط سعيد من فتحة السياج التي صنعها بنفسه و رمى بجسده الصغير في أحضان أمه. أما الكلب “المسعور” فقد أستمر في نباحه و كأنه يخبر سكان القرية بالواقع الجديد المفروض عليهم. رغم الخوف الذي يشعربه، صوب سعيد نظره نحو الكلب المسعور. نظرات سعيد الحادة كانت كافية لتخبر الكلب أنها فقط جولة و ليست نهاية للمباراة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثمانية عشر + ثمانية =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض