ثقافة

تجليات السيرة النبوية في الشعر الملحون – الحلقة الثانية

د. منير البصكري الفيلالي / أسفي

إن الإنسان ـ على حد ما ذهب إليه علماء التربية والأخلاق ـ لا يتأثر ولا يسمو في سلوكه وأخلاقه إذا قدمت غليه الفضائل الخلقية والمثل العليا في صورة مثالية، أو نظريات مجردة، وإنما يتأثر بها عندما يشاهدها مجسمة في صور واقعية ومواقف إنسانية.
ومن هذا المنطلق، كانت السيرة النبوية القدوة الحسنة، والأنموذج الأسنى للكمال البشري الذي يدعو الناس كافة إلى الارتقاء في مدارج السمو الأخلاقي.
لهذا، عني بهذه السيرة النبوية العطرة العديد من العلماء والمؤلفين والباحثين من المسلمين وغيرهم، ونهض بها رجال عدول من الصحابة والتابعين، فنقلوا للناس بصدق وأمانة الصورة الحقيقية لحياته صلى الله عليه وسلم وشمائله الطيبة وأخلاقه الفاضلة وأوصافه السنية.
من هنا كان اهتمام شعراء الملحون بحياة رسول الهدى ومنار التقى. فكانت قصائدهم سجلا غنيا لأوصافه وشمائله. ويكاد يشكل المديح النبوي في هذه القصائد ظاهرة دينية واجتماعية وإبداعية، استجابت لها مختلف الفعاليات الثقافية والشعبية من علماء ومتصوفة.
وقد تجلت هذه الظاهرة في عدة أنماط تعبيرية، سواء تعلقت باتجاهات المديح كالمولديات والتصليات والتوسلات والحجازيات، أو تعلقت بأجناس القول كالنثر والشعر. وقد توسلت بعض هذه الأجناس الأدبية بطرق السماع والتنغيم والإنشاد حسب الطبوع الموسيقية، مكونة تراثا ضخما، منه ما هو مطبوع أو مخطوط، ومنه ما هو معروف أو مجهول، ومنه ما هو دفين أو ضائع.. وإذا كان من الصعب الإلمام بهذا التراث، فحسبنا في هذه المناسبة السعيدة من أيام رمضان المبارك، الإشارة إلى ما جادت به قريحة شعراء الملحون وهو ينظمون قصائد رائعة في السيرة النبوية، هدفهم إبراز تجلياتها العطرة، من أجل تقريبها إلى المتلقي، وخاصة من أبنائنا، فذلك كفيل بتصحيح توجهاتهم ونشر القيم النبيلة التي حث عليها رسولنا الكريم، لينغرس فيهم حبه صلى الله عليه وسلم، فتسمو نفوسهم وترنو إلى ما يرضي الحق سبحانه، وذلك بالتشبث بأخلاقه وشمائله وأوصافه وسننه صلى الله وسلم، مصداقا لقوله عليه الصلاة والسلام: “تركتكم على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجد وعليكم بالطاعة وإن كان عبدا حبشيا، فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد” رواه ابن ماجة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إحدى عشر − أربعة =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض