
سارة امغار
رغم أن المقابل المادي زهيد، إلا أن مزارعي القنب الهندي عاشوا لسنوات في ظل خوف من “المخزن” والمتابعات القانونية وأمام خضوع تام لمشتري محاصيلهم الذين ازدادوا غنى وجاها، لكن بعد القرار الملكي الأخير المتعلق بالعفو عن المتابعين بتهم مرتبطة بزراعة القنب الهندي بدأ المغرب مرحلة جديدة مع هؤلاء المزارعين ، حيث اعتبره الفاعلون في المجال حدثًا تاريخيًا واستثنائيًا، لم تشهده البلاد من قبل، فتح به جلالة الملك آفاقًا جديدة لعلاقة الدولة مع المزارعين الصغار في مناطق الشمال، شملت بالخصوص أولئك الذين طالما عانوا من التهميش والملاحقة القانونية بسبب ممارسات زراعة القنب الهندي. تجلى ذلك في إقبال المزارعين على مبادرة وزارة الداخلية الرامية إلى تجديد البطاقة الوطنية للمزارعين بعد سنوات من العزوف بسبب الخوف من تابعات الملاحقة القضائية.
جاء العفو الملكي استجابة لمطالب طويلة الأمد رفعتها جمعيات محلية حسب رئيس المرصد المغربي لتقنين القنب الهندي “الدكتور شريف ادرداك”، مثل “تنسيقية أبناء بلاد الكيف”، التي كانت تدعو إلى مصالحة شاملة مع المنطقة. وأضاف المتحدث في تصريح ل MCG24 أن المصالحة التي يدعون إليها ليست قانونية فحسب، بل أيضًا اجتماعية واقتصادية، تهدف إلى ضمان نجاح ورش تقنين القنب الهندي، مما سيمكن من إعادة بناء جسر الثقة بين المزارعين والدولة بعد أكثر من نصف قرن من المتابعات والتهميش. وأكد شريف أدرداك أن العفو الملكي هو قرار تاريخي سيسجل بمداد من فخر بالنسبة لأبناء المنطقة.
رغم هذه الجهود، عبر المتحدث عن مخاوف تتعلق بالصعوبات المرتبطة بتنفيذ القوانين الجديدة وتنظيم زراعة القنب الهندي، حيث قال “إشكالية جميع القوانين في المغرب ليست في القانون في حد ذاته وإنما في التنزيل”، واستدل أدرداك بإحصائيات المزارعين المنخرطين في زراعة القنب الهندي المقنن التي لا تتجاوز 8 في المئة في حين أن المساحات القانونية المزروعة تمثل 4,5 في المئة فقط من المجموع. وشدد أن عملا جبارا ينتظر الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي لضمان الانخراط الكلي للمزارعين في هذا الورش.
في الوقت الذي تسعى فيه الدولة إلى تنظيم زراعة القنب الهندي لأغراض صناعية وطبية، تبقى بعض المناطق خارج هذا الإطار القانوني، وهو ما يعزز حسب رئيس المرصد المغربي لتقنين القنب الهندي من التحديات التي تواجه المشروع. فمناطق مثل “وزان” والعرائش” ونواحي “تطوان” وأيضا على ضفاف السدود الكبرى مثل سد الوحدة، لا تزال تشهد زراعة غير قانونية للقنب الهندي، ما يزيد من تعقيد الوضع، خاصة أن التقنين اقتصر على أقاليم تاونات والحسيمة وشفشاون حسب المتحدث ذاته.
وفيما يتعلق بالسوق غير القانونية للقنب الهندي الذي يُستخدم لأغراض ترفيهية كمخدر، أكد المتحدث استحالة القضاء عليه طالما هناك طلب على هذه المادة، فالإنتاج مرتبط بالطلب.
ودعا المتحدث إلى تقنين استخدام “الكيف” لأغراض ترفيهية حيث أوضح مطالبه بأن القنب الهندي هو جزء من التراث الزراعي والاجتماعي في شمال المغرب، وخاصة بين الأمازيغ السكان الأصليين للمنطقة. واعتبر شريف ادرداك أن تجريم زراعة القنب الهندي هو نوع من الظلم التاريخي الذي حُرم خلاله السكان الأصليون من حقهم في استهلاك نبتة كانت جزءًا من حياتهم اليومية بشكل تقليدي.
كما أشار إلى تجارب دولية مثل بوليفيا التي تمكنت شعوبها الأصلية من الحصول على الحق في استهلاك نبتة “الكوكا” التقليدية، التي تُستخرج منها مادة الكوكايين المحظورة، ولكن لأغراض تقليدية غير ضارة.
وطالب أدرداك بحق مماثل لسكان شمال المغرب في استهلاك الكيف بشكل تقليدي، خاصة وأن بعض الدراسات تشير إلى أن أضرار استهلاك القنب الهندي أقل من تلك الناتجة عن التدخين أو استهلاك الكحول.
وقد جدد رئيس المرصد المغربي لتقنين القنب الهندي مطالبه لوزارة الداخلية بمنع المشتبه فيهم في تجارة المخدرات و”البزنازة” من دخول غمار الانتخابات، حيث اعتبر أن هذا هو السبيل الوحيد لمنع 92 في المئة من المزارعين من التصويت على “البزناز” الذي يشتري منهم المحاصيل غير القانونية.
وقد تسائل شريف أدرداك عن وجود آلية تمنع الأحزاب من استخدام أموال المخدرات في الحملات الانتخابية، و ذكّر المتحدث بتحذيراتهم الدائمة من خلال جمعية “أمازيغ صنهاجة” من تورط عدد من المنتخبين والبرلمانيين في تجارة المخدرات، إلا أنهم وُصفوا بالمبالغة آنذاك، وتسائل المتحدث “وعلاش هادو لي متابعين في قضايا المخدرات بانو؟ وبماذا تفسرون متابعة عدد من السياسيين المعروفين حاليا في قضية إسكوبار الصحراء؟” وأضاف ” إلى مشيتي عندنا للبلاد غايقولو ليك هذاك بزناز وهداك فلاح والآخر درويش… فما بالك بالأجهزة ديال الدولة واش ماعارفاش؟ هنا أطرح علامة استفهام”.
وجوابا على سؤال تورط الأحزاب في دعم تجار المخدرات السياسيين، أكد شريف ادرداك أن ” الأحزاب تبحث عن مول الشكارة” حيث تسلك الطريق السهلة من خلال البحث عن مترشحين ذوو الأموال القادرين على شراء الأصوات عوض تمويل الحملات الانتخابية بشكل قانوني بالدعم المصروف من طرف الدولة، وفي نفس السياق جدد التأكيد على توظيف أموال المخدرات في الحملات الانتخابية وعلى تقلد ” بزنازة” الكراسي في المجالس المنتخبة وأيضا قبة البرلمان والدليل على ذلك عدد من المتابعين منهم اليوم أمام القضاء المغربي بتهمة التورط في تجارة المخدرات.
وأبرز رئيس المرصد المغربي لتقنين القنب الهندي أن هذا الوضع يسيئ لصورة المملكة، خاصة في ظل وجود الجزائر التي تسعى لتشويه سمعة المغرب، لذلك وجب حسب المتحدث تدخل الأجهزة ووزارة الداخلية وإصدار لائحة سوداء بأسماء كل تجار المخدرات والمشتبه في تورطهم تمنعهم من خوض غمار الانتخابات.ودعا شريف أدرداك إلى العمل على تنمية الأقاليم المعروفة بزراعة القنب الهندي لإخراجها من هذا النفق المسدود، وأشار أن مزارعي القنب الهندي ينتجون الكيف والحشيش بسبب التهميش والحرمان وغياب الاستثمارات وليس حبا في الإنتاج.