تأملاتسلايدر

الإستقامة في رمضان وبعد رمضان

عبد الرحمان سورسي
بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: إخواني أخواتي في الله،
أسأل الله الذي منّ علينا وعليكم بالصيام القيام وقراءة القرءان والصدقات أن يمنّ علينا بالهدى والتقى وقبول العمل والاستمرار على الأعمال الصالحة والاستقامة فيها.
ها نحن مرة أخرى وبعد الشهر الكريم نلتقي معكم ونتابع دروسنا على موقع mcg24.com رجاء من من الإفادة والاستفادة لنا ولمن اراد من إخواننا وابناءنا بعنوان:

(الإستقامة في رمضان وبعد رمضان)

أيها الإخوة والأخوات:
إن الاستقامة والاستمرار على الأعمال الصالحة من أعظم القربات ولذلك جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أوصني قال : ( قل آمنت بالله ثم استقم ) ، متفق عليه .
وفي رواية لأحمد قال : ( قل آمنت بالله ثم استقم قال: يارسول الله كل الناس يقول ذلك, قال: قد قالها قوم من قبلكم ثم لم يستقيموا ) ، فينبغي على المؤمنين أن يستمروا على الاستقامة في طاعة الله : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ) إبراهيم/27 .
فإن الذي يستقيم على طاعة الله هو الذي استجاب لدعائه الذي يردده في اليوم أكثر من خمس وعشرين مرة ( اهدنا الصراط المستقيم ) تلك التي نقولها في الفاتحة لماذا نقولها قولاً ونعتقد اعتقاداً جازماً أننا إذا استقمنا غفر الله لنا ولكننا نتكاسل عن تطبيق ذلك عملياً فينبغي أن نتقي الله وأن نطبق هذا عملاً واعتقاداً وقولاً وأن نسعى في ركاب اهدنا الصراط المستقيم وأن نكون في مدارج السالكين بين إياك نعبد وإياك نستعين في ظلال اهدنا الصراط المستقيم إلى جنات عرضها السموات والأرض مفتاحها لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
معاشر السادة والسيدات:
إن الناس بعد انقضاء شهر رمضان ينقسمون إلى أقسام أبرزها صنفان,
الأول : صنف تراه في رمضان مجتهداً في الطاعة فلا تقع عيناك عليه إلا ساجداً او قائماً أو تالياً للقرآن أو باكياً حتى ليكاد يذكرك ببعض عبّاد السلف ، حتى إنك لتشفق عليه من شدة اجتهاده ونشاطه ، وما أن ينقضي الشهر الفضيل حتى يعود إلى التفريط والمعاصي كأنه كان سجيناً بالطاعات فينكب على الشهوات والغفلات والهفوات يظن أنها تبدد همومه وغمومه متناسياً هذا المسكين أن المعاصي سبب الهلاك لأن الذنوب جراحات ورب جرح وقع في مقتل ، فكم من معصية حرمت عبداً من كلمة لا إله إلا الله في سكرات الموت .
فبعد أن عاش هذا شهراً كاملاً مع الإيمان والقرآن وسائر القربات يعود إلى الوراء منتكساً ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وهؤلاء هم عبّاد المواسم لا يعرفون الله تعالى إلا في المواسم أو النقمة أو الضائقة, ذهبت الطاعة مولية ألا فبئس هذا ديدنهم :
صلى المصلي لأمر كان يطلبه فلما انقضى الأمر لا صلى ولا صاما.
فيا ترى ما الفائدة إذن من عبادة شهر كامل إن أتبعتها بعودة إلى السلوك الشائن ؟
الصنف الثاني : قوم يتألمون على فراق رمضان لأنهم ذاقوا حلاوة العافية فهانت عليهم مرارة الصبر ، لأنهم عرفوا حقيقة ذواتهم وضعفها وفقرها إلى مولاها وطاعته ، لأنهم صاموا حقاً وقاموا شوقاً ، فلوداع رمضان دموعهم تتدفق ، وقلوبهم تشفق ، فأسير الأوزار منهم يرجو أن يطلق ومن النار يعتق ، وبركب المقبولين يلحق واسأل نفسك أخي من أي الصنفين أنت ؟
وبالله هل يستويان الحمد لله ، بل أكثرهم لا يعلمون ، قال المفسرون في تفسير قوله تعالى : ( قل كل يعمل على شاكلته ) الإسراء/84 ، كل إنسان يعمل على ما يشاكل ( يماثل ) أخلاقه التي ألفها ، وهذا ذم للكافر ومدح للمؤمن .
واعلم أخي أن أحب الأعمال إلى الله ادومه وإن قل ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( أيها الناس عليكم من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا ، وإن أحب الأعمال إلى الله ما دوم عليه وإن قل وكان آل محمد صلى الله عليه وسلم إذا عملوا عملاً ثبتوه ) أي داوموا عليه ، رواه مسلم.
ينبغي لكل مؤمن ومؤمنة ان يبقى بعد رمضان على ما كان عليه في رمضان ولا يكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً .
يا ترى هل يبقى هذا الذي كان في رمضان صائماً وللقرآن تالياً وقارئاً وللصدقة معطياً وباذلاً ولليل قائماً وفيه داعياً هل يبقى على هذا بعد رمضان أم أنه يسلك الطريق الآخر, أعني طريق الشيطان فيرتكب المعاصي والآثام وكل ما يغضب الرحيم الرحمن ؟
إن بقاء المسلم ومصابرته على العمل الصالح بعد رمضان علامة قبول له عند ربه الكريم المنان ، وإن تركه للعمل الصالح بعد رمضان وسلوكه مسالك الشيطان دليل على الذلة والهوان والخسّة والدناءة والخذلان وكما قال الحسن البصري : ( هانوا عليه فعصوه ولو عزوا عليه لعصمهم ) . وإذا هان العبد على الله لم يكرمه أحد قال تعالى : ( ومن يهن الله فما له من مكرم ) الحج/18 .
إن ما يثير العجب أن تجد بعض الناس في رمضان من الصائمين القائمين والمنفقين والمستغفرين والمطيعين لرب العالمين ، ثم ما أن ينتهي الشهر إلا وقد انتكست فطرته وساء خلقه مع ربه فتجده للصلاة تاركاً ولأعمال الخير قالياً ومجانباً وللمعاصي مرتكباً وفاعلاً ، فيعصي الله جل وعلا بأنواع شتى من المعاصي والآثام مبتعداً عن طاعة الملك القدوس السلام .
فبئس والله القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان .
ان الذي يجب على كل صائم وصائمة هو دعاؤه في وداع الشَّهر الفضيل: قائلا: السَّلام عليك يا شهر الله الأكبر، ويا عيد أوليائه الأعظم. السَّلام عليك يا أكرم مصحوب من الأوقات، ويا خير شهر في الأيام والسّاعات. السَّلام عليك من شهر قرُبَت فيه الآمال، ونشرت فيه الأعمال. السَّلام عليك من قرينٍ جلّ قدره موجوداً، وأفجع فقده مفقوداً، ومرجُوّاً آلم فراقه. السَّلام عليك من أليفٍ آنس مقبلاً فسرّ، وأوحش منقبضاً فمضّ، السَّلام عليك من مجاورٍ رقّت فيه القلوب، وقلّت فيه الذّنوب”.
من كان له كلّ هذه الأجواء الروحيَّة والعباديَّة السَّامية، حريٌّ بالمؤمنين المنتفعين ببركاته، والواعين لأهميّة منزلته، أن يسلّموا عليه، ويخاطبوه مخاطبة المستوحشين من فراقه، فهم على تمام العلم بما لهذا الشَّهر من فضيلة ومنزلة رفيعة عند الله تعالى، ففيه أبواب الرحمة مشرّعة، والشَّياطين مغلولة، وفيه يكون المرء أكثر قرباً من ربّه، وأكثر التصاقاً به، فيدعوه ملهوفاً، ويتوجّه إليه مخلصاً موحِّداً، كأفضل ما يكون العبد في حالة العبوديَّة والإخلاص.
لإنَّه الشَّهر الَّذي يترك الألفة والأنس في النّفوس، فهو يحاول تحريك المشاعر وتهذيبها وتزكيتها وتربيتها، بما يجعلها منطلقة في خطّ الله ورحمته ورضوانه. يتحرَّك هذا الشّهر بكلّ خيره وبركاته مع الإنسان كيفما توجّه، ويبقى الإنسان هو من عليه مسؤوليَّة الانتباه والالتفات إلى ما في صحبته من خيرٍ وفير، والإقبال عليه، لننهل من معينه خيراً وبركة، وهذا ما يكون بإصلاح نفوسنا، وتطهيرها من الذّنوب والآثام، وتحسين أخلاقيّاتنا، فلا نقول إلا خيراً، ونسعى في سبيل صلة الأرحام، وبرّ الوالدين، ونشر المحبَّة والرَّحمة بين النّاس، وكفّ الأذى والظّلم عن الآخرين.
وهو الشَّهر الَّذي أحيا الآمال في القلوب، فدعاها إلى سلوك سبيل المحبَّة والرحمة والعطاء، وهو الشَّهر الَّذي أحيا الآمال في النفوس، فدعا إلى أن تتحرك في خطِّ مسؤوليّاتها، وهو الشَّهر الَّذي أحيا إنسانيّتنا، فدعانا إلى أن نتلمَّسها ونمارسها شعوراً طيّباً وسلوك خير، وهو الشَّهر الَّذي أحيا فينا الآمال بأن نسمو بأرواحنا، فلا نسقطها في متاهات اللَّهو والشَّهوات والغرائز، وأن نرتفع معنويّاً، فلا نقع في محذور الانحراف في دائرة الباطل والفساد والبهتان والغيبة والنَّميمة والعصبيَّة والظّلم، بل أن نرتفع بمدى انفتاحنا على طاعة الله وعبادته؛ هذه الطّاعة والعبادة الَّتي تفتح آفاقنا ومداركنا على كلِّ خيرٍ ونفع وسلام وطمأنينة واستقرار، تجعلنا ننفتح أكثر على توحيد الله تعالى والإخلاص له في حياتنا
فنسأل الله تعالى أن يختم لنا ولكم بالخير والإحسان وقبول الأعمال.
إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

يتبع..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

16 − عشرة =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض