
شهدت مدينة الدار البيضاء، مساء يوم الجمعة، فعالية خاصة أقامتها غرفة التجارة الأمريكية بالمغرب، تم خلالها تسليط الضوء على الشراكة الاستراتيجية الطويلة الأمد التي تجمع بين المغرب والولايات المتحدة. الحفل السنوي، الذي حضره عدد كبير من الشخصيات المرموقة من الجانبين المغربي والأمريكي، كان فرصة لتجديد التأكيد على التزام البلدين بتعزيز علاقاتهما الاقتصادية ومضاعفة حجم التبادلات التجارية خلال السنوات المقبلة.
في كلمته خلال الحفل، أشار وزير الصناعة والتجارة، رياض مزور، إلى أن هذه السنة تمثل الذكرى العشرين لتوقيع اتفاقية التجارة الحرة بين المغرب والولايات المتحدة، وهي الاتفاقية التي شكلت منذ توقيعها عام 2004 رافعة للتعاون الاقتصادي بين البلدين. وبهذه المناسبة، دعا الوزير إلى ضرورة إجراء تقييم شامل وموضوعي لهذه الاتفاقية بهدف تحقيق توازن أكبر في حجم المبادلات التجارية بين الطرفين، حيث لفت إلى أن المغرب لا يزال يستورد أكثر مما يصدر إلى الولايات المتحدة، رغم تضاعف حجم التبادل التجاري بين البلدين بمعدل يتراوح بين 2,5 و3 مرات خلال العقدين الأخيرين.
وأكد مزور أن هناك إمكانات ضخمة غير مستغلة يمكن أن تقدم للشركات الأمريكية فرصًا لزيادة حصتها في السوق الأوروبية والإفريقية، مستفيدين من الموقع الاستراتيجي للمغرب كبوابة نحو إفريقيا وجسر بين القارات. هذه الإمكانات، بحسب الوزير، تستدعي من البلدين تعزيز التعاون بما يعود بالنفع على الاقتصادين المغربي والأمريكي.
من جانبه، شدد وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس السكوري، على أن هذه الشراكة الاقتصادية المثمرة تمتد إلى مختلف المجالات الاقتصادية، حيث تنعكس في المقاولات والشركات التي تعمل بين البلدين، بالإضافة إلى الاستثمارات التي تضخ في القطاعات المختلفة بالمغرب، وأبرز الوزير الجهود المشتركة بين البلدين في تعزيز ريادة الأعمال وتشجيع الشباب على الانخراط في سوق العمل.
في هذا السياق، أشار السكوري إلى النجاح الكبير الذي حققته الشراكة المغربية-الأمريكية في مجال التعليم المهني، حيث تم إنشاء 15 مدرسة للتكوين المهني بفضل هذه الشراكة، تُقدم برامج تدريبية لآلاف الشباب المغاربة، وأوضح أن ما يزيد عن 80 إلى 85 في المائة من هؤلاء الشباب تمكنوا من الحصول على وظائف في سوق الشغل، ما يعزز من جهود المغرب في محاربة البطالة ودعم التنمية الاقتصادية.
سفير الولايات المتحدة لدى المغرب، بونيت تالوار، أشاد خلال الحفل بالعلاقات الاقتصادية المتينة بين المغرب والولايات المتحدة، مشيرًا إلى أن هذه العلاقات ليست وليدة اللحظة بل تم بناؤها على مدى سنوات طويلة من التعاون الوثيق، وأكد السفير أن أحد العوامل الرئيسية التي تجعل المغرب شريكًا استراتيجيًا قويًا هو استقراره السياسي والأمني، بالإضافة إلى الإدارة الاقتصادية الحكيمة التي تنتهجها المملكة.
وأشار تالوار إلى أن البنية التحتية المتطورة التي يتمتع بها المغرب، وعلى رأسها ميناء طنجة المتوسط، والذي يعد أكبر ميناء في إفريقيا ومنطقة البحر الأبيض المتوسط، تعزز من جاذبية المغرب للمستثمرين الأمريكيين، هذا الميناء يُعتبر نموذجًا على النجاح الاستراتيجي الذي حققته المملكة في مجال البنية التحتية، ويتيح فرصًا استثمارية كبيرة للشركات الأمريكية الراغبة في التوسع إلى الأسواق الإفريقية والأوروبية.
في كلمتها خلال الحفل، أكدت ربيعة العلامة، المديرة العامة لغرفة التجارة الأمريكية بالمغرب، على الدور المهم الذي تضطلع به الغرفة في تعزيز التبادل التجاري بين المغرب والولايات المتحدة، وخلق فرص استثمارية جديدة تعود بالنفع على كلا البلدين، وأوضحت أن الغرفة تسعى باستمرار إلى توفير منصات للتعاون بين المقاولات المغربية والأمريكية من خلال برامج متعددة تهدف إلى دعم ريادة الأعمال والنهوض بالاستثمارات الثنائية.
كما أشارت العلامة إلى أن العلاقات المغربية الأمريكية ترتكز على تاريخ طويل من التعاون المثمر، بدءًا بمعاهدة الصداقة التي تم توقيعها بين البلدين في عام 1786، مرورًا بتوقيع اتفاقية التجارة الحرة في عام 2004، وحتى الحوار الاستراتيجي الأول الذي أُطلق في عام 2012. هذه الإنجازات المشتركة تُعد أسسًا قوية لتعزيز التعاون المستقبلي بين البلدين في مختلف المجالات.
تتجه الشراكة بين المغرب والولايات المتحدة نحو تعزيز التبادلات التجارية والاقتصادية بشكل أعمق خلال السنوات المقبلة، مع التركيز على خلق المزيد من فرص العمل للشباب المغربي، لا سيما في مجالات التكنولوجيا وريادة الأعمال. وتستمر الجهود المشتركة بين الجانبين في دعم منظومة التعليم المهني وتوسيع مجالات التعاون الاقتصادي، مما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة والازدهار المشترك للبلدين.
في ختام الحفل، أكدت الشخصيات المشاركة على أهمية هذه الشراكة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والنمو المستدام، مجددين التزامهم بمواصلة العمل على تعزيز العلاقات الثنائية التي تعود بالنفع على كلا الطرفين، خاصة مع اقتراب الذكرى العشرين لاتفاقية التجارة الحرة التي تمثل أحد أهم إنجازات التعاون المغربي-الأمريكي.