
خالد الحري عن بطاقة الملاعب: أين أخطأنا؟ أم أن “الولف صعيب”؟
د.خالد الحري -افتتاحية جريدة الصباح-
أشد المراحل صعوبة من عمر الرضيع الذي ألف النوم في حضن أمه الدافئ، وغرس فمه، بلا أسنان في ثدييها طلبا لحليب طبيعي طازج متوفر بـ “غزارة” في كل الأوقات، ودون انقطاع، هي مرحلة الفطام.
والفطام، باختصار شديد، هو قطع “البزولة” عن الرضيع، في مرحلة ما تكون الأم قد هيأت الظروف الغذائية والصحية والنفسية المناسبة لتعويض ابنها عن “الحنان” و”العطف” و”الأمن” الذي كان يشعر به، وهو يغط في نوم عميق، وفمه قريب من الثدي الفائض بـ “الحليب”.
والصعوبة، أيضا في الفطام أن الطفل سيفقد أشياء كثيرة غير الحليب الغني بالفيتامينات والمقويات، ما يسبب له حزنا بالغا يظهر على وجهه وحركاته وسكناته وانفعالاته في الأيام الأولى، ثم لا يلبث مع مرور الوقت أن يشرع في الصراخ الشديد والبكاء بحرقة، للحفاظ على “مكتسباته”، بل يلجأ إلى سلاح “التركال”، بالرجلين واليدين، لإرغام أمه على التنازل، والعودة إلى “البزولة”.
لكن الأم التي تحب أطفالها وتعرف مصلحتهم الفضلى، هي التي تعبر وتعاند وتقاوم، وتصفح عن “حركات” رضيعها، وتمنحه مزيدا من الوقت، كي يدرك من تلقاء نفسه بأن هذه المرحلة ضرورية وأساسية من عمره، حتى يكتمل نموه بشكل طبيعي اعتمادا على الأغذية الطبيعية و”القانونية” الأخرى غير الحليب “السهل”.
ننهي هذا الدرس البليغ في علوم الحياة والأرض حول مادة “الفطام”، وكل شبه بينه وبين ما يجري في قطاع الإعلام الرياضي الوطني، مقصود عن سبق إصرار وترصد، لأن ما يقع منذ إقرار “بطاقة الملاعب”، هو تقريبا ما يقع حين تنزع الأم “البزولة” الفائرة حليبا من فم ابنها، وتطلب منه الاعتماد على نفسه.
في هذا القطاع الإعلامي على خلاف باقي التخصصات الأخرى تنتشر مجموعات من الصحافيين الذين يتجولون، وأثداء “أمهاتهم” في أفواههم، رغم أنهم بلغوا من العمر عتيا بل منهم من أصبح أبا وجدا وقضى سنوات في التقاعد، دون أن يقطع مع عادة “المص”.
ومن ضبطتهم “الكاميرات”، نهاية الأسبوع الماضي “يحتجون” أمام أبواب ملاعب الدورة الحادية عشرة لبطولة العصبة الوطنية لكرة القدم الاحترافية، هم عينة من عشرات المنتسبين والدخلاء وبدون مؤسسات صحافية، ودون وثائق وبطائق مهنية الذين كانوا يصولون ويجولون على مدى عقود في الوسط الرياضي، ويفرضون شروطهم ومعاييرهم على الجميع دون صفة.
ومؤكد أن جميع الحركات و”التفركيل”، وضرب الأرجل بالأرض لن يثني الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين والصحافيين والشركاء الغيورين على صورة الصحافة الوطنية وصورة البلد المقبل على تحديات كبرى، عن الاستمرار في النهج نفسه.
نهج تثبيت الشرعية الإعلامية، المبنية على سلطة القانون والمهنية، والعودة إلى المنطق الصحيح الذي يعني أن الصحافة لا يمارسها إلا المهنيون الممارسون والمؤشر على إنتاجاتهم من قبل مديري النشر في مؤسسات إعلامية تملك الصفة القانونية المعترف بها من قبل الدولة.
فأين يا ترى أخطأت الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين والعصبة الوطنية لكرة القدم الاحترافية حين حصرتا دخول الملاعب على حاملي “بطاقة الملاعب”. التي أساسها بطاقة مهنية مسلمة من المجلس الوطني للصحافة، وطلب جديد معزز من مدير النشر؟
أين أخطأنا؟ أم أن “الولف صعيب” ؟