مجتمع

ذاكرة حية في الذكرى الثانية لرحيل الفاعل الحقوقي الأستاذ عبد القادر أزريع 

إعداد : الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي

   لقد تسنى لي أن أتعرف إلى السي عبد القادر أزريع في أوائل سبعينيات القرن الماضي حيث جمعتنا الدراسة بثانوية الحسن الثاني بأسفي ، وكان ـ رحمه الله ـ من التلاميذ المتفوقين والنابهين حتى عد من النبغاء ومن ألمع تلاميذ ثانوية الحسن الثاني التي كان يشرف على تدبير شؤونها التربوية والإدارية المرحوم السي عبد الرحمان فرحات بمساعدة ناضرها السي بلعياط أطال الله في عمره .. كنا نتنافس على الحصول على الرتب الأولى في الامتحانات طيلة ثلاث سنوات ، من المستوى الخامس ثانوي إلى السابعة باكالوريا ، حيث توجنا مسارنا الدراسي بالحصول على شهادة الباكالوريا .. وحينها ، اختار كل واحد منا مساره بعد فترة كنا نعتبرها أزهى فترات حياتنا .
بعد حصوله على الإجازة في الفلسفة من كلية الآداب بالرباط ، عين عند تخرجه أستاذا لهذه المادة في مدينة خريبكة ، حيث سينطلق مساره النقابي ، إضافة إلى نضاله السياسي والمدني ، فانتخب في اللجنة الإدارية للنقابة الوطنية للتعليم في مؤتمرها الخامس منتصف الثمانيات ، ثم عضوا بالمكتب الوطني لهذه النقابة ، وبعدها انتخب عضوا بالمكتب التنفيذي للكونفدرالية الديموقراطية للشغل ..كما كان عضوا في اللجنة النقابية الوطنية التي أسستها منظمة العمل الديموقراطي الشعبي ، إلى جانب ثلة من المناضلين . فكان الفقيد من مؤسسي هذه المنظمة وكان عضوا في لجنتها المركزية منذ مؤتمرها الأول ، ثم من مؤسسي الحزب الاشتراكي الديموقراطي وعضو مكتبه السياسي ، قبل أن يترك مسافة مع الحزب وينخرط في العمل المدني والبحثي والحقوقي إلى جانب السيد عبد الله ساعف ، إذ أسسا معا حركة المبادرات الديموقراطية التي تولى الأستاذ أزريع رئاستها .. كما كان أيضا من نشطاء مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية الذي أسسه الأستاذ ساعف ، إلى جانب ذلك ، كان المرحوم من مؤسسي المنظمة المغربية لحقوق الإنسان . وضمن هذا المسار من المسؤوليات ، انتخب السي أزريع عضوا في مجلس المستشارين ، حيث تحمل مسؤولية رئاسة الفريق الكونفدرالي ، وشغل منصب نائب أول لرئيس لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان ، وكذا منصب نائب رئيس لجنة الصداقة الفرنسية المغربية المشتركة بين مجلس المستشارين ومجلس الشيوخ بفرنسا ..
إلى جانب ما سبق ، تقلد السي عبد القادر أزريع العديد من المهام والمسؤوليات ، إذ كان عضوا في مجلس التوجيه ل ” منتدى بدائل المغرب ” وعضوا في اللجنة الخاصة للتربية والتكوين التي أعدت الميثاق الوطني للتربية والتكوين ، وعضوا في اللجنة الخاصة التي عهد إليها إعداد مدونة الشغل ، إضافة إلى عضوية اللجنة التي أعدت النموذج التنموي الجديد التي كان يترأسها السيد شكيب بنموسى ، كما كان عضوا في المجلس الوطني لحقوق الإنسان ورئيسا للجنة الجهوية لحقوق الإنسان ( الرباط سلا القنيطرة) .
وبما أن المرحوم كان دائما متشبثا فخورا بانتمائه إلى مدينته أسفي ، غيورا عليها ، حريصا على أن تكون لها الريادة والتميز ، فقد وضع استراتيجية محكمة بغية النهوض بهذه المدينة . وبذلك وضع بين أيدينا أرضية بمثابة خارطة الطريق ، هيأها لتكون منطلقا تتأسس عليه التنمية في أسفي . ومما جاء في هذه الأرضية قوله رحمه الله : ” نعيش، في الوقت الراهن، مرحلة نوعية ومنعطفا تاريخيا مهما عنوانه البارز هو إعادة بناء نسق اقتصادي واجتماعي وثقافي، يحتاج منا إلى بذل مجهود كبير، وتفكير عميق، وإبداع وخلق جديدين.   لقد فرضت التغيرات المناخية ضرورة مراجعة السؤال الاقتصادي والاجتماعي بل والفلسفي، لأن تعميق النقاش سيصل بنا في النهاية، إلى طرح السؤال حول علاقة الإنسان بالطبيعة   . كما أننا، اليوم، بصدد بناء نظام عالمي جديد متكامل يقوم على العدالة المناخية في مواجهة اللاعدالة المناخية، بما يعنيه ذلك، من تحقيق عدالة شاملة لمختلف مناحي الحياة والوجود، التي تهم الإنسان، مثلما تهم علاقة هذا الأخير بالطبيعة. ولذلك، فنحن في النهاية نسير بخطى أولية نحو بناء مساواة بديلة تهم كل مجالات الحياة “.مضيفا أكرم الله مثواه :  لقد اخترنا، من خلال إحداث مؤسسة آسفي للتنمية المستدامة والتغيرات المناخية، أن تكون هذه الأخيرة أداة للتفكير والعمل والإبداع والخلق، لكي نؤهل مدينتنا للانخراط في المجهود الوطني الذي سيوفر لبلادنا المادة العلمية والفكرية والطاقات البشرية المؤهلة، القادرة على أن تجعل من المغرب فاعلا أساسيا في هذه الدورة الجديدة.
لقد ساهم تبني المغرب لمقاربة حقوق الإنسان، وإدماجها في نص الدستور، ومختلف النصوص القانونية، إلى إسناد السياسات العمومية بما يضمن حقوق المواطنات والمواطنين، في بيئة سليمة، وتنمية مستدامة تراعي الحقوق والحاجيات .. إذ مكنت  الإصلاحات الدستورية والتشريعية والمؤسساتية، التي شهدتها بلادنا في العشرية الأخيرة، من اعتماد آليات تسمح بإدراج التنمية البشرية، المندمجة والمستدامة، في صلب السياسات العمومية، باعتبارها الإطار الملائم لبلورة استراتيجية بديلة لتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية متوازنة، مثلما تساعد بلادنا على الانخراط الواسع في دينامية إدماج التغيرات المناخية في السياسات العمومية، وخصوصاً على مستوى مجالاتها الترابية.
إن الدور المحوري للجماعات الترابية والجهوية المتقدمة في التنمية، هو الذي يضع المدينة اليوم في صلب انشغالات بلادنا، وهذا ما يضع على عاتق فعاليات هذه المدينة، على اختلاف مواقعهم، تحديات ستشكل مواجهتها والنجاح في التغلب عليها، بكل تأكيد، انتصارا لإرادتنا في جعل التغيرات المناخية ورش عمل تلتقي فيه كل الإرادات.
وفي هذا الإطار لا بد من السير على هدي الأولويات الأربع والتي أعلن عنها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، في الرسالة التي وجهها إلى المشاركين في الدورة الثانية لمؤتمر الأطراف لدول المتوسط حول المناخ في 18 يوليوز 2016 بطنجة، وهي التالية: .1 تشجيع المساهمات الوطنية الطوعية، وتحويلها إلى سياسات عمومية مندمجة.
2 . إطلاق مسلسل تعبئة التمويلات لصالح البلدان النامية.
3 . تعزيز آليات التكيف مع التغيرات المناخية، من خلال الرفع من مستوى الموارد المخصصة وتعزيز القدرات.

          .4 .تطوير التكنولوجيا من خلال نشر التكنولوجيا الناجعة والمميزة، ودعم البحث والتطوير .
لقد كان يطمح ـ  رحمه الله ـ لأن تكون آسفي مُنْطَلَقاً ومحتضناً لديناميكة جديدة، تخص المدن الأطلسية المطلة على الأطلسي ) )

 فالأطلسي هو ملتقى طرق بحري تجتمع حوله الأمريكتان وإفريقيا وأوربا، ويلعب المغرب بفضل موقعه، دورا محوريا في هذا الملتقى .

   وبالإضافة إلى ذلك، فإن تسليط الضوء على أهمية الأطلسي، الجيو اقتصادية والسياسية حاليا ومستقبلا، مهمة أساسية. وإننا مدعوون إلى تكثيف الجهود لإطلاق مبادرات التعاون مع مراكز البحث والمختبرات بالضفة الأخرى، ولنا في تجربة برنامجFuture  Atlantique  مبادرة يمكن استلهامها وتطويرها .
لذلك ، كان هدفه من إحداث هذه المؤسسة، هو تعزيز الآليات المنبثقة عن مؤتمر باريس وعن الكوب 22 بمراكش، وهو أيضا خلق آليات محلية تساعد على نجاعة تنزيل تلك الالتزامات الدولية، وفق خصوصيات البيئة الحاضنة لها .
وتأسيسا على ذلك، فإن إحداث مؤسسة خاصة بمدينة آسفي، هو تعبير عن قناعتنا بأن المدينة، هي، في الآن نفسه، حلقة مهمة وأساسية، ومختبر موثوق به، لبلورة وتنفيذ وتقييم وتقويم السياسات العمومية في مجال التنمية المستدامة والتغيرات المناخية .
إن مدينتنا ـ يقول المرحوم السي عبد القادر أزريع ـ هي مثل باقي المدن، لها ما يجمعها مع باقي المناطق والجهات، وما يميزها عنها  .
لذلك ، فإن الهدف من هذه المؤسسة، هو تمكننا من المعارف والأدوات، التي تسمح لها بفهم التحديات التي يطرحها تغير المناخ، والعمل على ترجمتها من خلال سياسات عمومية في المجال الترابي، لتثمين الموارد الطبيعية، ودعم التنمية المستدامة، وتقليص الفوارق المجالية والاجتماعية .
تلكم كانت أهم العناصر التي وضعها المرحوم السي عبد القادر أزريع للنهوض بمدينة أسفي وانبعاثها من الركود ، حتى تصبح في طليعة المدن المغربية التي حققت النمو والازدهار .
رحم الله فقيدنا العزيز وبوأه مقاما عليا .. فهذه لقطات سريعة عن حياة هذا الوطني الغيور لعلها تكون مغرية بمواصلتها لمزيد من البحث في حياته الحافلة وما خلف من آثار .
ومن هذا المنطلق ، أدعو أسرته الكريمة وخاصة زوجته الكريمة ، الأديبة المتألقة الأستاذة ربيعة ريحان ، لإخراج ما قد يكون للمرحوم من كتابات لم تنشر ، إذ الحاجة ماسة إلى ما يلقي الضوء على حياة الرجل .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ستة + خمسة =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض