
الاعتداء على الافراد عبر تشويه ملامح الوجه واشكالية العقوبات المخففة :هل نحن امام مشكل تشريعي ام سوء التطبيق القضائي ؟
محمد ألمو
كثيرا ما تقابل الاحكام الصادرة في حق مرتكبي افعال الاعتداء على ملامح الافراد عبر تشويه وجوههم باستخدام الات حادة كسكين او شفرة حلاقة او برمي مواد حارقة……. بنوع من الاستغراب بحكم العقوبات السجنية المخففة التي لا تتجاوز في كثر من الحالات بضعة اشهر قليلة واحيانا شهر او شهرين فقط باعتبار ان النتيجة الاجرامية وتداعياتها على الضحية تستدعي ان تكون العقوبة قاسية لاحداث تناسب بين خطورة الفعل والعقوبة المحكوم بها ….
فاستهداف ملامح ضحايا هاته الاعتداءات يعني الحكم عليهم مدى الحياة بالموت النفسي والجسدي معا خاصة اذا تعلق الامر بامراة ……
بالرجوع لمقتضيات القانون الجنائي المؤطرة لجرائم الضرب والجرح سيتضح ان الاشكال مرتبط بنص التشريع الجنائي نفسه باعتبار ان المشرع لم يضع تشويه الملامح رغم خطورتها على الضحية ضمن مستويات التكييف القانوني لجرائم الضرب والجرح .
فمهما كان حجم الاعتداء الذي قد يلحق بملامح الضحية ووجهها فان تقييم خطورته القانونية يخضع لمدة العجز التي يحددها الطبيب المعالج وليس نسبة او مستويات التشويه الجمالي ,,,
وهكذا واعمالا لهذا المعيار الطبي فمفهوم العجز أعلاه أتى مطلقا بدون نعت، والفقه يرى بأن المقصود به هو عدم قدرة المجني عليه على القيام بالأعمال البدنية التي يمارسها في الحياة المعتادة كالمشي والحركة، إلى غير ذلك، دون النشاطات المهنية ولا الأعمال غير العادية، إذ قد يتحقق العجز عن ممارسة الأعمال العادية للضحية دون العجز عن ممارسة النشاط المهني .
بمعنى ان احداث خريطة في وجه امراة وتشويه ملامحها بشكل بشع قد لا تتجاوز مدة العجز في هذه الحالة باستحضار مفهوم العجز الذي يعني عدم القدرة عن القيام بالاعمال البدنية المعتادة بضعة ايام قد لا تتجاوز 20 يوم في اغلب الحالات كما ان هذا الاعتداء لا يمكن تشخيصه طبيا بكونه يشكل عاهة مستديمة مادام لم ينتج عنه فقدان منفعة عضو .
وهكذا فالاعتداء على الوجه بتشويه ملامحه قد يتساوى مع الجروح والرضوض او الكسور البسيطة التي تنتج عن الاعتداء وتصيب الضحية على مستوى رجليه او كتفه او باقي جسمه .بل ان مده العجز احيانا تكون مرتفعة مقارنة مع اصابة ملامح الوجه بالتشويه .
اعتقد انه امام تنامي ظاهرة استهداف ملامج وجوه الضحايا كاعلى مستويات الانتقام او القتل المعنوي وما يترتب عن ذلك من تداعيات ونتائج يصعب تجاوزها او التخلص منها وتلازم الضحية مدى الحياة كشاهد على القسوة الاجرامية للمعتدي ..فانه يتعين اعادة النظر في القانون الجنائي وذلك بوضع حماية جنائية لملامح الافراد وهويتهم الجمالية بما يحقق الردع العقابي العام منه والخاص و كذلك ضمان الردع الاستبقائي للحيلولة دون ارتكاب مثل هذه الاعتداءات الخطيرة ولن يتاتى ذلك الا بالتنصيص على اعتبار كل اعتداء يمس الملامح الجمالية للضحية ويؤثر فيها جناية معاقب عليها بعقوبة اشد تحت شعار تشريعي “وجوهنا خطر احمر ”
وفي ما يلي مستويات تكييف وتجريم افعال الضرب والجرح حسب معايير النتيجة الاجرامية بتغييب طبعا التشوهات الجمالية لملامح الوجه :
المستوى الاول :جنحة الضرب والجرح الذي لم ينتج عنه مرض أو عجز عن الأشغال الشخصية، أو نتج عنه مرض أو عجز عن الأشغال الشخصية يقل عن عشرين يوما.
ينص الفصل 400 من م.ق.ج على أنه:” من ارتكب عمدا ضد غير جرحا أو ضربا أو أي نوع آخر من العنف أو الإيذاء، سواء لم ينتج عنه مرض أو عجز عن الأشغال الشخصية، أو نتج عنه مرض أو عجز لا تتجاوز مدته عشرين يوما، يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى سنة وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين”.
وفي حالة توافر سبق الإصرار أو الترصد أو استعمال السلاح تكون العقوبة الحبس من ستة أشهر إلى سنتين والغرامة من مائتين إلى ألف درهم”.
وهو الفصل الذي تقع تحت طائلته من حيث التطبيق العملي اغلب حالات الاعتداءات على مستوى ملامح الوجه .
اعتمادا على النص السابق يكون القاضي مخيرا بين الغرامة المالية والعقوبة السالبة للحرية إذا لم يترافق ارتكاب الجنحة بإحدى ظروف التشديد الواردة في الفقرة الثانية من النص، أما إذا كان الإيذاء بأحد تلك الظروف فإن القاضي يكون ملزما بتطبيق العقوبة السالبة للحرية والمالية معا وبدون تخيير بينهما.
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع شدد وضاعف هذه العقوبة إذا ارتكبت ضد أحد أصول الجاني، أو كافله، أو زوجه وفقا لما هو منصوص عليه في الفقرة الأولى من الفصل 404 من القانون الجنائي .
المستوى الثاني :جنحة الضرب والجرح الناتج عنه عجز تتجاوز مدته 20 يوما.
ينص الفصل 401 من القانون الجنائي ” إذا كان الجرح أو الضرب أو غيرهما من أنواع العنف أو الإيذاء قد نتج عنه عجز تتجاوز مدته عشرين يوما فإن العقوبة تكون الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وغرامة من مائتين إلى ألف درهم.
وفي حالة توفر سبق الإصرار أو الترصد أو استعمال السلاح، تكون العقوبة الحبس من سنتين إلى خمس، والغرامة من مائتين وخمسين إلى ألفي درهم.
المستوى الثالث : جناية الضرب والجرح المفضي إلى عاهة دائمة
عاقب المشرع على هذه الجريمة في الفصل 402 من م.ق.ج، حيث نص على أنه: ” إذا كان الجرح أو الضرب أو غيرهما من وسائل العنف أو الإيذاء قد نتج عنه فقد عضو او بتره أو الحرمان من منفعته أو عمي أو عور أو أية عاهة دائمة أخرى فإن العقوبة تكون السجن من خمس إلى عشر سنوات.
وفي حالة توافر سبق الإصرار أو الترصد أو استعمال السلاح تكون العقوبة السجن من عشر إلى عشرين سنة”.
بعد التعرف على جريمة الضرب والجرح المكونة لجناية وتلك المكونة لجنحة والعقوبات المقررة لها، لابد من الإشارة إلى جرائم الإيذاء غير العمدية المكونة لمخالفة من المخالفات، ولا تدخل تحت هذه الزمرة سوى مخالفة العنف أو الإيذاء الخفيف التي عاقب عليها المشرع بعقوبة مالية تتراوح بين 300 إلى 700 درهم في الفقرة الأولى من المادة 16 من القانون المتعلق بتنظيم قضاء القرب واختصاصاته.
يعتبر العنف أو الإيذاء خفيفا إذا لم يخلف أثرا في الجسم ولم يلحق بالضحية ألما، فهو أقرب إلى الإهانة والتحقير منه إلى الإيذاء والعنف الجسميين كإمساك الضحية من ثوبه، أو تمزيق طرف من هذا الثوب والبصق عليه…